জওহর ইনসানিয়া
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
জনগুলি
يشتمل المحتوى البروتيني للفيتوكرومات أيضا على نطاق بي إيه إس، ولا يقتصر هذا فقط على الفيتوكروم الموجود في النباتات والبكتيريا التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي، وإنما يوجد أيضا في بروتينات البكتيريا والفطر التي لا تقوم بعملية التمثيل الضوئي؛ حيث يستشعر نطاق بي إيه إس المكونات العضوية؛ كلا من العناصر الغذائية والسموم، بالإضافة إلى درجة الحرارة ودرجة الحموضة والظروف البيئية الأخرى. حتى الآن لم ترد تقارير عن وجود البروتينات التي تشبه الفيتوكروم لدى الحيوانات، لكن بما أننا تمكنا حتى الآن من تحديد تسلسل الجينوم لأربعة حيوانات؛ دودة تسمى الربداء الرشيقة، وسمكة دانيو مخطط، والفأر، والإنسان، أصبح من الممكن اختبار مثل هذا الاحتمال.
لقد تعرفنا إجمالا على أكثر من 200 بروتين تحتوي على نطاق بي إيه إس،
39
وتكون عواقب تفعيل هذه البروتينات واحدة، سواء كانت تؤدي وظيفتها في بكتيريا أو نباتات أو حيوانات. في كل حالة يرتطم محفز بمستقبل يكون البروتين الذي يحتوي على نطاق البي إيه إس. قد يكون هذا المحفز ضوءا (وهو الذي يستشعر وجوده مبدئيا في هذه الحالة المكون المستقبل للضوء) أو أي حالة من الحالات التي ذكرت للتو ، وربما تظهر مع ذلك محفزات إضافية؛ ومن ثم يتبع ذلك تغير طفيف في شكل بروتين بي إيه إس. في بعض الحالات يعمل بروتين بي إيه إس مثل الإنزيم؛ فيضيف مجموعة فوسفات إلى بروتين آخر، يدعى المستقبل. في حالات أخرى يرتبط بروتين بي إيه إس المفعل ببساطة بالمستقبل. في كلتا الحالتين يتعرض المستقبل الآن إلى تغير طفيف في الشكل، ويبدأ الاستجابة الحيوية. يلعب مثل هذا التفاعل بين بروتين وآخر دورا مهما في نقل كل نوع من الإشارات الحيوية فعليا. في كثير من الحالات يشكل تفعيل جينات معينة أو إيقافها، ومن ثم تغيير تركيز البروتينات المتعلقة بها، أساس هذه الاستجابة. وفيما يخص علاقة هذا بالآليات التي تنفذ بها الكائنات عمليات بحثها عن الضوء والعناصر الغذائية باستخدام الرؤية، فإن نطاق بي إيه إس يمثل تكوينا جزيئيا يكمن في صلب موضوع هذا الكتاب؛ شيوع السعي بداية من الجراثيم حتى الإنسان.
خاتمة
تظهر بوضوح الميزة الجينية للقدرة على الاتجاه نحو الضوء، عندما تكون أشعة الشمس هي المصدر الوحيد الذي تستمد منه الطاقة، فستنمو النباتات التي لديها القدرة على تنفيذ الانتحاء الضوئي والانتحاء الشمسي أكثر من مثيلاتها التي تفتقر إلى هذه الآليات، فتنمو أسرع، وتنتج المزيد من الأزهار والبذور؛ ومن ثم تتنافس بنجاح أكبر على الضوء والمساحة. وكذلك فإن الجراثيم التي يمكنها استشعار مصدر الغذاء أو الضوء ثم دفع نفسها في اتجاهه تتفوق في التكاثر على تلك التي لا تنمي لديها هذه القدرات جيدا. وفي كل حالة تؤدي سرعة النمو والتكاثر إلى احتفاظ انتقائي بالجينات المناسبة. ينطبق الأمر نفسه على الرؤية؛ فالحيوانات التي تتمتع بقدرة أفضل على لمح المفترسات أو الفرائس تكون فرصتها للبقاء على قيد الحياة أفضل من التي تعاني من ضعف في حاسة البصر، وتمثل القدرة على رؤية الألوان الموجودة لدى الرئيسيات ميزة إضافية. إن حقيقة وجود تشابه بين البروتينات التي تكمن وراء القدرة على إدراك الضوء، من بكتيريا الملحاء العصوية إلى نبات الكركديه، ومن سمك الرنجة حتى الإنسان، توضح شيوع السعي بين الكائنات .
يمكن تفسير كافة الآليات التي شرحتها تقريبا على أنها استجابات سلبية لمحفزات معينة، مثل الضوء والطعام، وأنها لا تمثل بحثا نشطا بمعنى ما تقوم به الحيوانات والإنسان، لكننا يجب ألا نتقيد بكلمات مثل نشط وسلبي التي أصبحت مرتبطة بأفعال عالم الحيوان، فهل يمكننا بالفعل وصف التقاط مصيدة فينوس (خناق الذباب) لذبابة بأنها عملية سلبية؟ تذكر أن هذا النبات لا يصد فحسب هجمات الذباب، وإنما ينقض عليه تماما مثلما ينقض أسد على غزال، ولا يحفز أي جماد، مثل حصاة صغيرة أو فرع شجرة، عملية الاصطياد هذه؛ فيميز النبات بين الأشياء الحية والميتة؛ فهو مفترس أصيل آكل للحم يبحث عن فريسته. ربما تجيب عن هذا بأن الأسد يبحث فعليا عن فريسته قبل الانقضاض عليها، لكن الذبابة لن تأتي لترتاح على إحدى أوراق النبات إن لم يفرز النبات في المقام الأول رحيقا يجذبها. يذهب نوع فريد من نبات جرة بورنيو، النابنط أبيض الحواف، إلى أبعد من هذا؛
40
فعلى العكس من أنواع النابنط الأخرى، يميز النابنط أبيض الحواف بين مصادر الطعام؛ فلا يمس النمل أو الخنافس أو الذباب، بينما يفترس النمل الأبيض بالآلاف في مرة واحدة. كيف يستطيع النبات فعل هذا؟ هذا لأنه يقدم للنمل الأبيض مصدرا من الغذاء لا يستطيع مقاومته، على عكس الحشرات الأخرى؛ شعيرات الحافة البيضاء الموجودة في ملامظ أو «فم» النبات. بعد تناول هذه الشعيرات يفقد النمل الأبيض توازنه ويصبح غير قادر على التسلق خارج النبات؛ فيسقط داخل وعاء النبات وتهضمه إنزيمات النبات القوية. بعبارة أخرى: يبادل نبات الجرة بعضا من شعيراته في مقابل وجبة مغذية من النمل الأبيض.
من وجهة نظر اختزالية، تلك التي يحب العلماء مثلي رؤية العالم من خلالها، يصبح الاختلاف بين الأفعال النشطة والسلبية، والاستجابات الإرادية واللاإرادية غير واضح. أنا لا أنكر وجود إرادة حرة؛ فنحن نشترك مع معظم الحيوانات في اختيارنا للأفعال التي نقوم بها. ما أتحدث عنه هو التفاعلات الجزيئية التي تكمن وراء هذه الأفعال، التي يتطلب كثير منها استخدام نطاق بي إيه إس نفسه الموجود داخل البروتينات ذات الصلة. إن النبات يشعر بالضوء وينمو في اتجاهه، وتحدث هذه الاستجابة بفعل نوع من الجزيئات (الأوكسين). كما يشعر الطير ببزوغ الفجر ويستيقظ، وتحدث هذه الاستجابة بفعل هرمون آخر (الميلاتونين) الذي يشارك في عملية الدورات اليومية. أما الشمبانزي والإنسان فيبدآن بحثهما عن الطعام عند شعورهما بالجوع، وتحدث هذه الاستجابة بسبب حدوث تغير في تركيز جزيء يسمى اللبتين. تبحث الحيوانات والبشر عن زوج، وتحدث هذه الاستجابة بفعل هرمونات (التيستوستيرون لدى الذكور، والإستروجين لدى الإناث). حتى البحث المدفوع بالفضول لدى الإنسان يكون في الغالب لا إراديا؛ فبعض الناس لا يستطيعون التحكم في رغبتهم في حل أحجية الكلمات المتقاطعة بمجرد فتح جريدة أو مجلة، بينما يبحث آخرون آليا في جيب كل ما يرتدونه عندما يدركون أنهم لم يروا مستندات سفرهم منذ فترة (وتكون في حافظة نقودهم في النهاية)، بينما يضغط البعض تلقائيا على كل قناة في التليفزيون بمجرد دخولهم إلى إحدى الغرف في فندق،
অজানা পৃষ্ঠা