জওহর ইনসানিয়া
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
জনগুলি
اتضح أن الملاريا ينتقل عبر لدغة حشرة، تماما مثلما ينتقل داء الكلب إلى الإنسان عبر عضة كلب (وينتقل مرض الكوليرا عبر ابتلاع بكتيريا عصوية سامة، وينتقل مرضا الجمرة والسل عبر استنشاقهما). لكن كيف بالضبط تسبب لدغة بعوضة الإصابة بالمرض؟ هل يكون هذا من خلال إدخال بعض الجزيئات السامة إلى مجرى الدم، مثل تلك التي تدخل إليه من لسعة نحلة أو لدغة ثعبان؟ رأى الجراح القائد رونالد روس، الذي عمل في مدينة سيكوندر آباد، أن هذا غير صحيح. فقد شعر بأن نوعا ما من الكائنات كان له دور في هذا. وبعدما أقنعه معلمه، الدكتور باتريك مانسون،
38
بتزويد نفسه بمجهر، بدأ روس في فحص عينات دم مأخوذة من مرضى بالملاريا. ومن أجل زيادة فرص نجاحه، عمل في منطقة موبوءة بالملاريا بشدة، وكان يتناول كميات كبيرة من مادة الكينين يوميا. ومثل آخرين من قبله، عثر على أجسام غريبة في خلايا الدم الحمراء لدى المصابين بالمرض. والآن كان عليه إظهار أن هذه الطفيليات انتقلت إلى البعوض الذي يتغذى على البشر المصابين بالمرض. فاصطاد مئات الحشرات وأطلقها الواحدة تلو الأخرى على مرضى موافقين على هذا يرقدون تحت شبكة. ثم أزال معدة أي بعوضة تغذت بوضوح على دم البشر، وبحث فيها عن طفيليات بمساعدة مجهره. واجه فشلا تلو الآخر؛ فلم يكن يعلم أن عددا قليلا من البعوض يعمل كناقل عدوى للأمراض البشرية. فمعظم الحشرات التي استخدمها كانت بعوضا إما من نوع كوليكس أو البعوض الزاعج، ولم يستخدم بعوضة الأنوفيلة المميتة؛ لكنه ثابر.
في 20 أغسطس عام 1897 أثمر بحث روس؛ فقد عثر على جسم كروي (بيضة متكيسة) في جدار معدة بعوضة أنوفيلية لدغت أحد المرضى من قبل (الذي كان يحصل على عملة نقدية نظير كل بعوضة تلدغه ويقبض عليها بنجاح؛ وفي هذا اليوم حصل حسين خان على 10 عملات نقدية). لكن كيف يمكن إظهار أن الطفيليات الموجودة في هذه البيضة المتكيسة ستكمل دورة حياتها وستنتقل عبر اللدغة التالية؟ لم يكن إجراء تجارب على البشر غير المصابين أمرا واردا. ومع ذلك، كان روس يعلم أن الملاريا تستهدف الطيور أيضا. لذا بعد مرور عام ، وكان في هذا الوقت يعمل في أحد المختبرات في كلكتا، بدأ فحص بعوض كوليكس المعروف بلدغه للطيور. ولم يعثر على بيض متكيس فحسب داخل معدة ناقلات الفيروسات هذه، بل رأى أيضا أنه عند انفجار أحدها تطلق أعدادا هائلة من الطفيليات الخيطية؛ يمكن تتبعها حتى وصولها إلى الغدد اللعابية للحشرة. فبدت حقيقة أن بعوضة الكوليكس لا تصيب البشر غير مهمة. في هذه الحالة كان روس يتصرف كعالم حقيقي؛ فمعظم التجارب التي يقوم عليها الطب الحديث كانت تجرى على كائنات غير الإنسان. فقد شرح ويليام هارفي الدورة الدموية عمليا على الثعابين، كما شرح علماء الكيمياء الحيوية في القرن العشرين المسارات الأيضية والمركز المحوري لثلاثي فوسفات الأدينوسين باستخدام كبد فأر وعضلة حمامة، كما شرحت طريقة انتقال النبضات العصبية باستخدام أعضاء حبار. أقرت الأكاديمية السويدية سريعا إسهام روس وحصل على جائزة نوبل في عام 1902 (ثاني عام على منح هذه الجائزة).
39
رغم أن تكوين البكتيريا (السل والجمرة) والفيروسات (الجدري وداء الكلب) والبروتوزوا (الملاريا) ودروة حياتها داخل جسم الإنسان لم يوضحا إلا بعد هذا بفترة طويلة، فإن إسهامات جينر وكوخ وباستور وروس كانت مثالا واضحا على البصيرة العلمية. وعندما أوضح العالم الأمريكي بيتون روس في عام 1910 أن ثمة فيروسا يستطيع نقل مرض السرطان إلى الدجاج، ولدت فعليا دراسة علم الأحياء الدقيقة كعلم لا يتجزأ عن الطب.
40
لم يصبح علم النفس والطب النفسي علما حتى القرن العشرين. فلم تنسب حالات مزاجية وسلوكية معينة إلا في العقد الأخير تقريبا منه لعمل جزيئات محددة. تطلق هذه الجزيئات، التي تعرف باسم الناقلات العصبية، من أحد أطراف الخلية العصبية، وتتفاعل مع بداية خلية أخرى. وبالتدريج بدأت تفسيرات منطقية لسلوكياتنا تظهر. ازدهرت تكنولوجيا ابتكار جزيئات تعزز عمل ناقلات عصبية معينة أو تضعفه لدرجة أن ثمارها - عقاري فاليوم وبروزاك، على سبيل المثال - أصبحت من أكثر العقاقير التي توصف حاليا؛ فأصبح علم عقاقير الأعصاب فرعا مربحا للغاية في صناعة الأدوية والتكنولوجيا الحيوية؛ إذ تقدر أرباحه بمليارات الدولارات.
أما علم الأورام - دراسة السرطان - فلم يصبح علما حتى أواخر القرن العشرين. فكان الاكتشاف المبكر لفيروس ساركوما الذي يصيب الدجاج
41
অজানা পৃষ্ঠা