ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله
[البقرة: 246] وقوله:
إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا
[البقرة: 247] وفي الحديث
" ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة ".
ولسائل أن يسأل أيضا أليست كل الأيام أيام جزاء وكل ما يلاقيه الناس في هذه الحياة من البؤس هو جزاء على تفريطهم في اداء الحقوق والقيام بالواجبات التي عليهم؟ واترك الإجابة لصاحب المنار الذي طرح هذا السئوال واجاب عنه بما معناه: أن الجزاء قد يقع في أيام الدنيا على جميع الأعمال خيرا كانت أم شرا ولكن ربما لا يظهر للمجزيين إلا على بعضها دون جميعها، وانما يظهر الجزاء على التفريط في العمل الواجب ظهورا تاما في الدنيا بالنسبة إلى مجموع الأمة لا إلى كل فرد من أفرادها فكل أمة تنحرف عن صراط الله المستقيم ولا تراعي سننه في خليقته لا ينتظرها إلا مصير حاسم تلقى فيه من العدل الإلهي ما تستحقه من الجزاء كالفقر والذل وتبدد العزة وتلاشي السلطة جزاء وفاقا، أما الأفراد فإن كثيرا من المسرفين الظالمين منهم يقضون أعمارهم في لجج الشهوات والملذات وقد توبخهم ضمائرهم أحيانا ولا يسلمون من المنغصات وقد يصيبهم النقص في أموالهم وعافية ابدانهم وقوة مداركهم ولكن كل هذا لا يقابل بعض اعمالهم القبيحة لا سيما أولئك الجبابرة المتسلطون الذين تشقى بأعمالهم السيئة شعوب وأمم، وفي مقابل أولئك نرى المحسنين في انفسهم وفي الناس يبتلون بصنوف البلاء ولا ينالون الجزاء الذي يستحقونه على صنوف أعمالهم! نعم يكرمهم الله تعالى براحة ضمائرهم وسلامة أخلاقهم وصحة ملكاتهم ولكن ليس ذلك كل ما يستحقون، أما في ذلك اليوم فكل فرد من افراد العاملين يوفى جزاؤه كاملا لا يظلم شيئا منه كما قال تعالى:
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
الزلزلة: [7- 8].
[1.5]
في هذه الآية الكريمة يعلم الله عبادة أن يفردوه بالعبادة وبالإستعانة، وهذه ثمرة التوحيد وجوهر الإيمان والآيات المتقدمة في السورة جاءت توطئة لها ومقدمة لما فيها فإن الإله الحق الذي هو رب العالمين والمتصف بالرحمة والمالك للأمر في الدنيا والآخرة جدير بأن لا تتجه العبادة إلى غيره وأن لا يتعلق القلب بسواه، ويرى الزمخشري أن الآية الكريمة جاءت لتبين الحمد المقصود في قول الله تعالى: { الحمد لله } ويتقدمها سؤال مقدر تقديره كيف تحمدونه؟ فأجيب: { إياك نعبد وإياك نستعين } ، وسوغ السيد الجرجاني ذلك لأن السؤال عن كيفية الحمد لا عن ماهيته، فصح أن يجاب عنه بالإجابة المشتملة على الحمد وعلى غيره لأن ضم غيره إليه نوع بيان لكيفيته، أي حال حمدنا أن نجمعه بسائر عبادات الجوارح والإستعانة في المهمات، ونخص مجموعها بك، وأورد السيد الجرجاني أيضا أنه صح كون العبادة بيانا للحمد من حيث أن اقصى غاية الخضوع يقتضي اعترافا تاما بالإنعام، ووصفا للمنعم بصفات الجلال والإكرام، وهذا لأن الحمد اصل العبادة ورأسها كما مر أنه رأس الشكر، إذ حقيقة العبادة شكر المنعم الحقيقي، أي اظهار الإنقياد له بقدر الإمكان غاية ما في الباب أن الجواب يشتمل على زيادة في البيان، ورجح السيد الجرجاني أن يكون قوله { إياك نعبد } استئنافا جوابا لسؤال يقتضيه اجراء تلك الصفات العظام على الموصوف بها أزلا وأبدا، كأن سائلا يقول: ما شأنكم مع هذا الموصوف؟ وكيف توجهكم إليه؟.
অজানা পৃষ্ঠা