فقد قال القرطبي: استدل علماؤنا بقول لبيد هذا على أن الاسم هو المسمى، واستدل أبو عبيدة معمر بن مثنى بالبيت على أن اسم صلة زائدة أقحمت في بسم الله الرحمن الرحيم، وأن الأصل بالله الرحمن الرحيم، وهو كلام مردود، فإن اعتبار شيء من كلمات القرآن مقحما أمر لا يخلو من سوء أدب مع كلام الله تعالى، أما البيت فقد أجاب عنه ابن جرير بجوابين:
أولهما أن مراد لبيد به: عليكما اسم الله أي ألزمناه فقدم المفعول على اسم الفعل فرفعه كما هي القاعدة ألا ينصب اسم الفعل المفعول به إن تقدمه.
ثانيهما أن مراده بقوله: ثم اسم السلام عليكما ثم بركة اسم السلام عليكما، كما يقال في ما يقصد تعويذه اسم الله عليه، والقول باتحاد الاسم والمسمى نسبه غير واحد إلي سيبويه من أئمة اللغة العربية وخطأ صاحب صاحب المنار هذه النسبة معولا على ما قاله ابن القيم في (بدائع الفوائد) ما قال نحوي قط ولا عربي أن الاسم عين المسمى، وللفخر الرازي في تفسيره نقاش طويل يدحض به شبه القائلين باتحادهما نرى الاستغناء عنه بما ذكرناه.
وكلمة اسم على وزن فعل حسب أصلها وأصلها عند البصريين سمو مأخوذة من السمو لأن الاسم يعلو مسماه بكونه عنوانا له ودليلا عليه، وقيل لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به، وقيل بأن الاسم يسمو بالمسمى فيرفعه عن غيره، وأصله عند الكوفيين وسم، مأخوذ من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، وعلى الرأي الأول هو محذوف اللام على وزن إفع سكنت فاؤه فاجتلبت له همزة الوصل في ابتداء الكلام، وعلى الثاني هو واوى الفاء حذفت فاؤه فاجتلبت له همزة الوصل ووزنه إعل، ويدل للأول تصريفه فإنه يصغر على سمي لا على وسيم ويجمع على أسماء لا على أوسام، والتصريف يرد الكلمات إلى أصولها، وإنما كانت نظرة الكوفيين مبنية على أن المراد من وضع الأسماء للمسميات أن تكون علامة ودليلا عليها، ولم ينظروا إلى تصريف الكلمة بينما البصريون عولوا على التصريف مع نظرهم إلى أن الاسم يظهر بمسماه والظهور في حقيقته سمو وارتفاع.
وفي إضافة اسم إلى لفظ الجلالة خلاف، هل هي للعهد أو للجنس الذي يحمل على الاستغراق؟ وهو مبني على أن الإضافة تأتي لما تأتي له أل من المعاني، وعلى الأول فالمقصود اسم معهود من أسماء الله، والأجدر أن يكون اسم الجلالة لشيوعه وذيوعه، وعلى الثاني فالمراد الافتتاح بجميع أسماء الله الحسنى، والأولى أن تكون الإضافة هنا البيان، ووصف اسم الجلالة هنا بالرحمن الرحيم يؤكد ذلك، وإنما كان الافتتاح باسم الجلالة دون غيره لأن جميع الأسماء تابعة له فلذلك يوصف بها ولا توصف به، وفي افتتاح الكلام باسمه تعالى تفخيم له وتعظيم من شأنه، وهذا مما جرت به العادة عند الناس كما أشرنا من قبل، فهم عندما يريدون أن يفتتحوا مشروعا جديرا بالعناية يفتتحونه باسم شخص مشهور كسلطان أو أمير أو باسم مؤسسة ذات شأن..
ويعني ذلك أنه لولا صاحب الاسم لم يفتتح المشروع، وبما أن القرآن الكريم جاء لتطهير العقيدة من جميع أدران الشرك ولوثات الزيغ فإنه علمنا كيف نخص اسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح الأقوال والأعمال، وهذا لأن العبد عندما يقول { بسم الله الرحمن الرحيم } يعلن براءته من الحول والطول وعدم قدرته على أى عمل إلا بعون الله كما يعلن أن قيمة العمل تكون يقدر الإخلاص لله سبحانه، وفي الافتتاح باسمه تعالى إضفاء صفة شرعية على العمل المفتتح، ومن ثم قال العلماء " إن الأعمال غير المشروعة لا تفتتح باسم الله، ولأجل ذلك كرهوا افتتاح دواوين الأشعار بالبسملة لما يكون فيها من المجون والأقوال المجانبة للحق، فالشعراء هم كما وصفهم الله بقوله:
والشعرآء يتبعهم الغاوون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا
[الشعراء: 224 - 227] وفي هذا الاستثناء ما يدل على أن الشعر إن كان خالصا من الشوائب، بعيدا عن المنكرات، لا يمنع من افتتاح ديوانه بالبسملة.
{ الله } اسم خاص لا يطلق إلا على رب العالمين، وقالوا في تعريفه: هو علم على ذات واجب المستحق لجميع المحامد لذاته، واختلف في أصله، فالجمهور يرون أن أصله إله، فحذفت الهمزة وعوض عنها الألف واللام وأدغمت اللام في اللام ثم فخمت، ولأجل أن الألف واللام للتعويض اجتمعتا مع حرف النداء ولا تجتمع أداة التعريف في غير هذا الاسم مع يا إلا مقرونة بأي، وأصل إله أله بمعنى عبد عند ابن جرير وجماعة من علماء العربية والتفسير وعضده ابن جرير بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ
ويذرك وآلهتك
অজানা পৃষ্ঠা