الكريم والشعر بحيث إنه لا يستثنى كتابًا إلا من ذلك بل أريد أنه إذا حفظ القرآن وأكثر من حفظ الأشعار ثم نقب عن ذلك تنقيب مطلع على معانيه مفتش عن دفائنه وقلبه ظهرًا لبطن عرف حينئذ من أين تؤكل الكتف فيما ينشئه من ذات نفسه واستعان بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية.
(المثل السائر باختصار)
كيفية تهذيب الكلام وأوقات تأليفه
تهذيب الكلام عبارة عن ترداد النظر فيه بعد عمله نظمًا كان أو نثرًا وتغيير ما يجب تغييره وحذف ما ينبغي حذفه وإصلاح ما يتعين إصلاحه وتحرير ما يدق من معانيه وإطراح ما يتجافى عن مضاجع الرقة من غليظ ألفاظه لتشرق شموس التهذيب في سماء بلاغته وترشف الأسماع على الطرب رقيق سلافته. فإن الكلام إذا كان موصوفًا بالمهذب منعوتًا بالمنقح علت رتبته وإن كانت معانيه غير مبتكرة. وكل كلام قيل فيه: لو كان موضع هذه الكلمة غيرها ولو تقدم هذا المتأخر وتأخر هذا المتقدم. أو لو تمم هذا النقص بكذا ا، تكمل هذا الوصف بكذا. أو لو حذفت هذه اللفظة أو لو اتضح هذا المقصد وسهل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين. كان ذلك الكلام غير منتظم في نوع التهذيب.
وكان زهير بن أبي سلمى معروفًا بالتنقيح والتهذيب وله قصائد تعرف بالحوليات. قيل: إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر ويهذبها وينقحها في أربعة أشهر ويعرضها على علماء قبيلته أربعة أشهر. ولهذا كان الإمام عمر بن الخطاب مع جلالته في العلم وتقدمه في النقد يقدمه على سائر الفحول من طبقته وما أحسن ما أشار أبو تمام إلى التهذيب بقوله:
خذها ابنةَ الفكرِ المهذَّبِ في الدَّجى ... والليلُ أسودُ رقعةِ الجلباب
1 / 27