قالت: «نعم؛ هذا كله جيد جدا، ولكنها ستكون ليلة طويلة. أنت لا تعرف أبدا اللحظة التي ستستيقظ فيها جائعا وستكون سعيدا بالشطائر حتى لو كان ذلك فقط لتمضية الوقت. إنها محشوة بالدجاج، ولا تعرف متى سيكون لديك دجاج مرة أخرى. إن اسكتلندا دولة فقيرة للغاية. الرب وحده يعلم ما سيتسنى لك الحصول عليه لتأكله!»
قال جرانت إن اسكتلندا في الوقت الحاضر تشبه إلى حد بعيد بقية بريطانيا، لكنها أكثر جمالا.
قالت السيدة فيلد وهي تضع الشطائر بحزم في حزام الغطاء: «لا أعرف شيئا عن الجمال، لكنني أعلم أن إحدى قريباتي كانت تعمل خادمة هناك بمجرد ذهابها إلى موسم الفعاليات الاجتماعية مع قومها من لندن، ولم يكن بإمكانها رؤية منزل، ولا حتى شجرة، في الريف بأكمله إلا منزلهم الخاص. ولم يسمع السكان الأصليون قط عن كعك الشاي، وكانوا يطلقون على الكعك المسطح المدور اسم «سكونز».»
قال جرانت، وهو يطوي بلطف في حقيبته أقدم سروال عنده مصنوع من الصوف الخشن: «يا لهم من همج!»
عندما كان القطار ينطلق خارج محطة كينجز كروس، جلس لتأمل خريطة مسح لمنطقة كارنينيش مقياسها بوصة واحدة. إن تأمل خريطة مرة أخرى منحه شعورا لطيفا. كانت هناك إثارة مميزة في مطاردة رجل في أرض ريفية مكشوفة. لقد كان الأمر أكثر بدائية وأكثر إنسانية، وأقل ميكانيكية من الآلات التي لا روح فيها والتي مدت وأراحت مجسات صلبة صامتة على ضفة نهر التيمز. كانت مواجهة لرجل ضد رجل. لن يكون هناك هاتف إلا في أحد مكاتب البريد. ولن يكون هناك أي استدعاء للقوات الاحتياطية لمنع أي شخص من الهروب. إنه ذكاؤك ضد ذكائه وربما سلاحك ضد سلاحه. لكن جرانت كان يأمل ألا تتطور الأمور إلى ذلك الحد. فتقديم رجل ميت إلى العدالة لن يضيف سوى قدر قليل من الرضا. والشرطة، على أي حال، لا ترحب بأساليب محققيها المختصرة. لذا كان عليه أن يفعل ذلك بهدوء. ومع ذلك، كان متأخرا بيومين فقط. ولا يمكن أن يصل الرجل إلى وجهته قبل الليلة الماضية. وكلما طالت مدة استقراره، قلت شكوكه. في البداية كانت كل صخرة تخفي محققا يبحث عنه، ولكن مع اعتياده على الريف - وكان جرانت على دراية بطبيعة الريف - فإن انفصاله التام عن أي مصالح خارجية سيكون له تأثير حتمي في منحه إحساسا زائفا بالأمن.
تأمل جرانت الخريطة. تقع قرية كارنينيش على طول الضفة الجنوبية لنهر فينلي حيث يلتقي النهر بالبحر في بحيرة فينلي. على بعد نحو أربعة أميال إلى الجنوب، التقت بحيرة ثانية بالأرض، وعلى الشاطئ الشمالي منها كانت هناك قرية أكبر قليلا على ما يبدو من كارنينيش، تسمى جارني. هذا معناه أن كارنينيش تقع على الجانب الشمالي من شبه جزيرة وتقع جارني على الجانب الجنوبي، والمسافة بينهما على شبه الجزيرة نحو أربعة أميال على طريق جبلي فرعي. قرر جرانت أنه سيبقى في جارني - كان هناك فندق كان يعلم من الشائعات أنه يحتوي على حوض استحمام - ومن هناك سيراقب كارنينيش بحجة أنه يصطاد في نهر فينلي. حتى وقت متأخر من الليل كان مستغرقا في تأمل الخريطة، حتى أصبحت المنطقة مألوفة له كما لو كان يعرفها من قبل. كان يعلم من التجارب المريرة أن أفضل قارئ خرائط يجب أن يعاني من بعض الصدمات الشديدة عندما يواجه الواقع وجها لوجه، لكن كان مطمئنا لفكرة أنه يعرف الآن المنطقة ربما أفضل بكثير من الرجل الذي كان يطارده.
ولم يجلب له الصباح سوى البهجة. فعندما فتح عينيه على ضوء النهار، من خلال الشق المفتوح في الجزء العلوي من نافذته، كان بمقدوره رؤية الأراضي البور البنية وهي تنزلق ببطء، وأعلن الصوت الصاخب للقطار المندفع حتى الآن عن اقتحامه لجبال جرامبيان. كان في استقباله هواء بارد صاف متلألئ وهو يرتدي ملابسه، وخلال وجبة الإفطار، شاهد الأرض القاحلة البنية ووراءها السماء الزاهية والثلج اللامع تتحول إلى ألواح سوداء مسطحة من أشجار الصنوبر المثبتة بدقة على سفوح التلال مثل رقع من الصوف، ثم إلى أشجار البتولا؛ أشجار البتولا التي نزلت من جانبي الجبل وكأنها ترافق أحد الجداول، أو أشجار البتولا التي كان يتدلى منها أثوابها الخفيفة ذات اللون الأخضر الجديد الرائع في غابات صغيرة مغطاة بعشب ناعم. وهكذا باندفاع، استجمع القطار قواه وهو ينحدر، متجها نحو الحقول مرة أخرى - حقول واسعة في وديان عريضة وحقول صخرية ضيقة معلقة على سفوح التلال - والبحيرات، والأنهار، ومنطقة ريفية خضراء. تساءل وهو يقف في الممر بينما كان القطار يهتز وينحرف ويتأرجح في آخر انحدار ناجح له إلى إنفرنيس، ما الذي كان يفكر فيه الهارب اللندني الذي اقتلع من شوارعه، وأمن المباني والمخابئ. ما كانت تمضية أيام الأحد على النهر لتهيئه للسيول السوداء التي كانت تنتظره في الغرب، ولا حرية أحد مواطني سري ستجعله يألف الخراب التام المثير للأعصاب لتلك المستنقعات. هل ندم على هروبه؟ تساءل عن طباع الرجل. لقد كان الشخص المشرق والمبهج - على الأقل، وفقا للسيدة إيفريت. هل كان أي شيء أكثر من مشرق ومبهج؟ لقد اهتم اهتماما كافيا بشيء ليطعن رجلا في ظهره من أجله، لكن هذا لم ينم عن أي إحساس. فبالنسبة إلى رجل حساس، قد يكون الرعب من أن تكون وحيدا وعاجزا ومطاردا في مكان مثل هذا أسوأ من زنزانة من طوب وملاط مألوفين. في الأيام الخوالي في المناطق الجبلية، كان الانتقال إلى التلال مرادفا للهروب من العدالة - وهو ما يطلق عليه الأيرلنديون أن تكون فارا. لكن التمدن غير ذلك تماما. لا يوجد مجرم واحد من بين ألف يفر الآن إلى المناطق الجبلية أو إلى ويلز بحثا عن ملجأ. فالمرء يبحث عن وسائل الغذاء والحماية في مأواه هذه الأيام، وانتهى زمن السكن المهجور أو الكهف القابع على سفح التل. وكان جرانت واثقا من أنه لولا وعد السيدة إيفريت بتوفير ملاذ، لم تكن حتى رغبتها ستخرج لامونت من لندن. ما الذي شعر به لامونت عندما رأى ما جاء إليه؟
عند الوصول إلى إنفرنيس، غادر القطار المباشر المريح وعبر الرصيف الذي تعصف به الرياح إلى قطار محلي صغير تدحرج لبقية الصباح من الريف الأخضر إلى خراب بني مثل الذي استقبل جرانت عند الاستيقاظ. مشوا ببطء نحو الغرب وما زال الغرب بعيدا، وتوقفوا لسبب غير مفهوم في محطات محددة بشكل يصعب فهمه أيضا وسط مستنقعات شاسعة خالية من السكان، حتى دفع به خارج القطار بعد الظهر على رصيف رملي، وانطلق القطار بعيدا في الخراب من دونه. هنا، قيل له أن يستقل سيارة البريد. كانت المسافة إلى كارنينيش تبلغ 36 ميلا، وإن حالفه الحظ، سيكون هناك بحلول الساعة الثامنة في تلك الليلة. كل هذا سيتوقف على عدد الأشياء التي سيقابلونها على الطريق. فمن أسبوعين اقتلعت سيارة العجلة اليمنى الأمامية لسيارة آندي، وكاد أن يقع بالعجلة اليسرى في مصرف. أرشد جرانت عبر مكتب الحجز، وفي المساحة المغطاة بالحصى خلف المحطة، شاهد الشيء الغريب الشكل الذي كان من المقرر أن يقضي فيه الساعات الخمس التالية، الذي من شأنه، إذا حالفه الحظ على الطريق، توصيله إلى جارني في الوقت المناسب. كان حافلة بالمعنى الحرفي. خلف مقعد القيادة كان هناك ثلاثة مقاعد طويلة، مبطنة بشكل غير كاف بوسائد، ومحشوة، على ما يبدو، بنشارة خشب، ومغطاة بقماش أمريكي. كان هناك، كما بدا له، خمسة مرشحين آخرين للمقاعد في هذه المركبة. استفسر جرانت حول استئجار سيارة للقيام بالرحلة، ولم تنقل له التعبيرات على وجوه المحيطين به عدم جدوى سعيه فحسب، بل نقلت إليه حقيقة أنه كان مذنبا بارتكاب خطأ فادح في الذوق. لم يستهزئ أي أحد بسيارة البريد. فقد كانت الشيء الوحيد المهم كل يوم للسكان في الستة والثلاثين ميلا بينه وبين البحر. استسلم جرانت لعدم الراحة، وتمنى أن تنقذ الكوميديا الرحلة من الملل. وحتى الآن كانت الكوميديا غائبة عنه. نجح في الحصول على مقعد من السائق وكان يأمل في الأفضل.
أثناء سيرهم على طول الطرق الضيقة، مندفعين هنا وهناك حيث يجتاحهم الكثير من الجداول في طريقها المنحدر من التلال، أدرك قوة ملاحظة الرجل بشأن مقابلة الأشياء. لم يكن هناك مجال في معظم الأماكن لمرور حتى عربة أطفال.
سأل السائق: «كيف تتصرفون عندما تقابلون شيئا ما؟».
অজানা পৃষ্ঠা