الرنين في أذنيه يزداد ارتفاعا، وهو يمشي بجوار السور. السور عال من فوقه الأسلاك، السحب السوداء تنشق عن قرص مستدير. يلمع في الظلمة بضوء أبيض.
تحت الضوء لمحه متكورا كالجنين في رحم أمه. أبيض بلون القطن، ممزقا من فوق الصدر وتحت لوحة الكتف. تعلوه البقع الحمراء بلون الدم.
دفن وجهه في الجلباب يتشمم الرائحة. كالأب يتشمم ابنه الميت. صوته كالنشيج المتقطع: بريء! بريء!
صدى الصوت يهز السور والأسلاك. تهب العصافير من النوم وتطير في الجو. البوابة الحديدية تهتز ومعها السلاسل الحديدية والقفل الأسود. تشمل الاهتزازة الأرض وجدران السراي . يتردد الصدى كصوت الريح يهز النوافذ والأبواب. رءوس الأشجار تهتز والعمارات العالية، والأسلاك فوق الأسوار، والأبراج والفنادق ذات الخمس نجوم، والقلاع، والقصور، والسجون، وقباب الكنائس ومنارات الجوامع وأعمدة السواري. - بريء! بريء!
وانطلقت الصفارات تدوي والأجراس. ظهر المدير بملابس النوم يجري والصفارة في فمه. من خلفه التمورجية بالمرايل البيضاء في أيديهم الحبال. من خلفهم رجال البوليس بالطاسات النحاسية فوق الرءوس وكشافات الضوء. من خلفهم الكلاب البوليسية، والكلاب الضالة، والقطط، والشحاتون، وباعة الصحف، والدبابات خرجت من فوقها المدافع، وأجراس الكنائس تدق، وأجراس المدارس، والميكروفونات فوق المآذن وصراخ النسوة كالزغاريد، والزغاريد كالصراخ، ورياح الخماسين تملأ الكون بالتراب والرمل، وصفوف الجنود الصف وراء الصف، يتقدمهم الجنرال إلى جواره صاحب السيادة وصاحب الجلالة، وأصحاب الأمر والنهي، وجوههم بيضاء مغسولة من الذنب، يبتسمون في براءة الأطفال، ومن حول أعناقهم تتدلى الزهور، زهور ميتة معلقة في أسياخ من الحديد على شكل دوائر حول العنق.
وجدوه راقدا على ظهره بجوار السور. داخل جلبابه الأبيض. رأسه عار محلوق نمرة واحد بأمر المدير. عيناه مفتوحتان شاخصتان نحو السماء. «النني» أسود ثابت. يبحلق في الفراغ. شفتاه منفرجتان قليلا فيما يشبه الابتسامة. اعوجاجة خفيفة في الفم. وجهه مربع أبيض يغمره الضوء والريشة السوداء تتطاير فوق الأرض كأنما فيها الروح. (تمت)
অজানা পৃষ্ঠা