قل هو الله أحد * الله الصمد . وفجأة أحست شيئا يلسع كالنار. يده الضخمة أصبحت فوق فمها تكتم أنفاسها، وصرختها أفلتت في سكون الليل تدوي. - يا هوووووه ...
انطلقت الصفارات وأضيئت الأنوار. ظهرت الرئيسة تجري والصفارة في فمها. من خلفها التمورجية يمسكون الحبال.
ربطوه وحملوه إلى غرفة الكهرباء، ونفيسة لا تكف عن الصراخ. عيناها مغلقتان لا تقوى على فتحها. فمها مفتوح وصرختها ممدودة بغير انقطاع.
جنات في لحظة إفاقة
في غرفتها كانت راقدة فوق ظهرها. من فوق جفونها المغلقة سمعت الصرخة. دوت في رأسها طويلة ممدودة بامتداد الظلمة. صرخة واحدة ذائبة في ملايين الأصوات كالهتاف، والهتاف كالصرخة الواحدة تذوب في صمت الليل.
انتصبت أذناها وعيناها مغلقتان. صفير طويل كالريح تعوي من بعيد، أو طنين الصمت في الأذن. الكل صامت والكل يهتف. أصوات تدوي كهدير الشلالات. يسقط النظام! يسقط! تفتح فمها عن آخره وتهتف: يسقط! يسقط! الطريق ممدود أمامها بامتداد الأفق، وهي تجري مع التلاميذ والتلميذات. أصوات من خلفها تطاردها كطلقات الرصاص، قدماها تبطئان السير، جسمها ثقيل. صدرها يلهث. الهواء ثقيل مشبع بالدخان والهزيمة. بقايا حريق ينطفئ ورائحة نفط. أشلاء أطفال مثل ذرات الرماد تنتشر في الجو، كالهيولي الأولى قبل انفصال السماء عن الأرض. رياح الخماسين تهب. رمال تملأ الكون بلون أصفر، ورذاذ كالمطر الأسود يهبط. - عاصفة الصحراء!
ترتطم الكلمة بأذنيها كالصفعة. يأتي الصوت من خلفها. تتوقف لحظة. وجهها ناحية السماء وظهرها ناحيته. تمد ذراعها أمامها تتلقى قطرات المطر - رءوس الأشجار ترتعد تحت ضربات الريح. أوراقها تتساقط فوق الأرض. ذراعها طويلة نحيلة كالعصا الخشبية. فوق أصابعها رعشة مرئية للعين. شيء في الجو مجهول ومخيف. عنقها يشرئب وأذناها مرهفتان. - جنات!
اسمها يرن في أذنيها غريبا، كأنما تسمعه لأول مرة. من عساه يناديها؟ من عساه يعرف اسمها من ملايين الأسماء في الكون؟ تشد جفونها لتفتح عينيها. حزام من الجلد كأنه مشدود حول رأسها. تحاول أن تنهض بجسمها متكلة على كوعها، تدور بها الأرض والصوت لا يزال يناديها، غريبا ومألوفا فيه بحة خشنة. كصوت جدها الذي مات، لكن روحه كانت تصحو في الليل. تزور جدتها. تسمع وقع قدميه وهو يمشي في الصالة. يدق الأرض بعصاه الخشبية. دقة بعد دقة. مع دقات الساعة المعلقة على الحائط. تخفي رأسها تحت الغطاء وهي راقدة إلى جوار جدتها. تتوقف الدقات أمام غرفة النوم. يدب الصمت في الكون. لا تسمع إلا الدقات تحت ضلوعها، وأنفاس جدتها تعلو وتهبط. عيناها مفتوحتان تلمعان في الظلمة. رموشها تهتز. - صاحية ليه يا جنات؟ - وأنت صاحية ليه يا نينة؟
ترمقها جدتها بنظرة طويلة. هذه البنت غريبة. لا تسألها سؤالا إلا وترد عليها بسؤال. - نامي يا جنات. - مش جاي لي نوم يا نينة.
تربت عليها بيدها المعروقة، وصوتها يسري في أذنيها ناعما كصوت أمها. - نامي نينا هوووووه ... هوووووو ...
অজানা পৃষ্ঠা