জানাকু মাসামির আর্দ
الجنقو مسامير الأرض
জনগুলি
إهداء
بيت الأم
السجين السجن والسجان
امرأة اسمها ألم قشي
عزومة الصافية
ود أمونة متبلا
مختار علي
سوق القنزي
سبعة يوم عوضيه بيي
شبق المرفعين
অজানা পৃষ্ঠা
أغنية الفرو، تيراب البنية، بوشاي، وأشياء أخرى
حوار موضوعي وكرميلا
قطع الرحط والدخلة
فوائد ما بعد الحفل
الجنقوجوراي
وصتني وصيتا
في مديح الحبشيات
هدايا ونصائح لود أمونة
الجنقو يدخلون البنك
أحوال: ثورة الخراء
অজানা পৃষ্ঠা
أحوال وثورة ألم قشي
حول محنة أداليا دانيال
السارقون الرحماء
ود أمونة وحده الذي يلم بأطراف القوالات
صيد الحلوف
بوشاي
صديقي الثائر
فتاة من أسمرا
قسم الشيخ العربي
جهنم، جهنم عديل
অজানা পৃষ্ঠা
نشيد الجسد
خاتم النبي سليمان
إهداء
بيت الأم
السجين السجن والسجان
امرأة اسمها ألم قشي
عزومة الصافية
ود أمونة متبلا
مختار علي
سوق القنزي
অজানা পৃষ্ঠা
سبعة يوم عوضيه بيي
شبق المرفعين
أغنية الفرو، تيراب البنية، بوشاي، وأشياء أخرى
حوار موضوعي وكرميلا
قطع الرحط والدخلة
فوائد ما بعد الحفل
الجنقوجوراي
وصتني وصيتا
في مديح الحبشيات
هدايا ونصائح لود أمونة
অজানা পৃষ্ঠা
الجنقو يدخلون البنك
أحوال: ثورة الخراء
أحوال وثورة ألم قشي
حول محنة أداليا دانيال
السارقون الرحماء
ود أمونة وحده الذي يلم بأطراف القوالات
صيد الحلوف
بوشاي
صديقي الثائر
فتاة من أسمرا
অজানা পৃষ্ঠা
قسم الشيخ العربي
جهنم، جهنم عديل
نشيد الجسد
خاتم النبي سليمان
الجنقو مسامير الأرض
الجنقو مسامير الأرض
تأليف
عبد العزيز بركة ساكن
إهداء
إلى روح الجميلة النظيفة النقية الشفيفة مريم بت أبو جبرين؛ أمي.
অজানা পৃষ্ঠা
عبده بركة
الجنقو مسامير الأرض
مقولة لمجهولين
في البدء يتجاهلونك، ثم يسخرون منك.
ثم يحاربونك.
ثم تنتصر.
المهاتما غاندي
بيت الأم
الجنقو يتشابهون في كل شيء، يقفزون في مشيهم كغربان هرمة ترقص حول فريستها، يلبسون قمصانا جديدة، ياقاتها تحفل بالأوساخ التي عمل العرق، وعملت الشمس، وريح السموم، والتربة الطينية السوداء على جعلها شاهدا على صراع مرير مع المكان، والطقس، ولقمة العيش، يفضلون الجينز ذا الجيوب الكبيرة والعلامات التجارية البارزة، المكتوبة بخطوط كبيرة مثل: كونز، وانت، ديوب، لي مان، ونستون وغيرها، لا يعرفون ماذا تعني، لكنها تعجبهم ويفضلونها على غيرها ، ويدفعون لأجل الحصول عليها مالا سخيا، يحيطون خصورهم بأحزمة الجلد الصناعي، فتبدو هيئاتهم كمخلوقات غريبة لا تنتمي للمكان، لكنها تقلد كل شيء فيه بالأخص كليقة السمسم المحزومة جيدا، أحذيتهم التي كانت جديدة لامعة وأنيقة في أواخر ديسمبر الماضي، هي الآن ذكرى تلك، مزق متسخة ذات أخرام وألوان يصعب تحديدها في الغالب، لا يهتم أحد بتهذيب شعر رأسه، في ما بعد حدثنا ود أمونة بأن عاناتهم كثة وأنهم يهملونها، يتركون شعر رأسهم الذي يميل للحمرة من فعل الشمس كثا متشابكا قصيرا أو طويلا في مستعمرات للشرا.
للجنقاوي أو الجنقوجوراي عدة أسماء على مر السنة، وشهورها، وفصولها: فهو كاتاكو في الفترة ما بين ديسمبر إلى مارس، حيث يعمل في مزارع السكر بكنانة، ومصنع سكر خشم القربة، عسلاية أو الجنيد.
অজানা পৃষ্ঠা
ويسمى فحامي في الفترة ما بين إبريل إلى مايو، حيث يعمل أم بحتي؛ أي منظفا للمشروعات الجديدة، أو المهملة من الأشجار، ويصنع من سوقها وفروعها الفحم النباتي.
ويسمى جنقو أو جنقوجورا في الفترة ما بين يونيو وديسمبر، أي منذ هطول الأمطار إلى نهاية موسم حصاد السمسم، أما خلال السنة كلها فتطلق عليه النساء اسم فدادي، وبالمقابل يسمي هو النساء اللائي يصنعن المريسة، والعرقي، فداديات، وعرفنا أيضا من بعض الجنقو الذين أتوا من الفاشر ونيالا أن اسم الجنقوجورا هو المستخدم عندهم للدلالة على ما نسميه نحن في الشرق اختصارا جنقو، لا يطلقون لفظ جنقاوي للمفرد كما نفعل، بل جنقوجوراي.
هي ليست المرة الأولى التي نترافق فيها إلى مكان لا نعرفه، ولن تكون الأخيرة، فمنذ أن طردنا من وظائفنا للصالح العام قبل خمس سنوات تجولنا كثيرا في شتى بقاع السودان: شماله، جنوبه، غربه، وشرقه، كان هو من أسرة ثرية، ويحتفظ بمال كثير لنفسه، يمكنه من أن يتفرغ بقية حياته كلها للجري وراء متعة المشاهدة، كما أطلقنا على ما نقوم به من «تسكع وتلكع» في بلاد الله الشاسعة، أنا فقير لكني عازب، ولا أتحمل مسئولية أحد غير نفسي؛ إخواني، وأخواتي، متزوجون، بعضهم خارج السودان، والبعض الآخر في الداخل، واتخذوا طريقهم المحتوم في الحياة، أمي وأبي متوفيان، هو يساعدني كثيرا في تحمل مصاريف السفر، ومتعة المشاهدة، وأنا أوفر له الرفقة الطيبة، ويقول الناس عندنا: الرفيق قبل الطريق.
تصرخ رائحة العرق المشوي بشمس الدرت الحارقة، شمس سبتمبر، لتملأ الأنوف زنخا لا يحتمل، دندن في صوت مرح: رجال، رجال، نحن في حلم؟
قلت له: أنا شفت واحدة قبل شوية.
يبدو أن الشاب العشريني الذي يجلس قربنا، الوسيم، الذي يحتسي قهوته، لم يكن منشغلا بموضوعات الحصاد، الربح والخسارة، العنتت والقبور الكعوك، وطيور أم عويدات، وود أبرق، كما هو الحال عند الجميع وبمن فيهم صاحب القهوة البدوي الشاب كث الشعر، أو بما تقدمه له رشفات القهوة من متعة تبدو عظيمة، كانت أذناه تتصيدان ما نهمس به، ربما ما نفكر فيه أيضا، قال لنا دون مقدمات بحماس عال ساذج: إنتو ما مشيتوا بيت الأم، معقول؟ لازم تمشوا بيت الأم.
قلت: بيت الأم؟ أم منو «من»؟
قال: نعم، بيت الأم، أم الناس كلهم.
سأله صديقي: بيت الأم؟
قال: أيوه، بيت الأم.
অজানা পৃষ্ঠা
ثم أضاف بلغة التجرنة، وكأنما نحن نعرف كل لغات الدنيا: قذا أدي.
نهض مع آخر رشفة من قهوته، نهضنا خلفه، كان وسيما متوسط الطول، له بشرة لامعة صفراء، وشارب كث، شعره منسق، وحديث الحلاقة، يبدو أن اهتماما خاصا قد صب عليه، تتبعه رائحة طيبة ميزنا ماركتها بسهولة، كان شخصا لا يشبه شخوص المكان: نظيفا، أنيقا، به ليونة بادية للعيان، في مشيته، وطريقة كلامه، ووجهه النظيف.
قال وهو ينظر إلي: أنا اسمي ود أمونة.
ابتسم وهو يضيف: اسمي كمال الدين، لكن ما في زول يعرف كمال، أمي أمونة، وهي تقول لي ود أمونة، الناس لقوا الاسم ساهل، يلا ود أمونة، ود أمنة! الناس يوم القيامة ينادوهم باسم أمهاتهم.
قال له صديقي: ما في مشكلة، الأم ما في زيها، يا ريت لو نادوني باسم أمي كنت حأكون أسعد زول.
قال له ود أمونة فجأة: أمك اسمها منو؟ - أمي مريم. - وإنت؟
قال مخاطبا إياي: زينب ، زينب أبكر.
قال: أمي اسمها آمنة، ولكن اسم الدلع أمونة.
وسألته: إذن بيت الأم دا بيت أمك أمونة، مش كدا؟
قال نافيا بشدة: لا، بيت الأم دا بيت الأم، قربنا نصل.
অজানা পৃষ্ঠা
ثم أضاف: إنتو من وين؟
قلنا معا بصوت واحد: من القضارف.
صمت صمتا طويلا ثم أصدر هواء من فمه بصوت محسور: سجن القضارف، شفتوا سجن القضارف؟ بالتأكيد تكونوا شفتوه، مش كدا؟ في ديم النور.
رد عليه: بالتأكيد، في زول في القضارف ما شاف السجن؟!
قال وهو يخطو بنا خطوات سريعات في عمق المكان: أنا اتربيت فيه.
سيعرف في ما بعد أن والدينا كانا يعملان في ذات السجن، سحبنا من بين قطاقطي، ورواكيب القش، في أزقة طويلة لا تنتهي تتلوى كالثعابين، صاعدة هابطة على أرض وعرة، عليها أخاديد صنعتها الوابورات، واللواري، وعربات الترحيل الخفيفة، مثل اللاندروفرات والبربارات، تعم المكان رائحة البخور مختلطة بعبق المريسة، وبعض الخمور البلدية، على خلفية من ريح فاترة تهب جنوبا، دافئة وطيبة، دون أن نطرق بابا من الزنك على سور من القش والحطب، دخلنا بيت الأم، أو كما يطلقون عليه بالتجرنة: قذا أدي.
السجين السجن والسجان
هذا ما تحصلت عليه من عدة حكاة ورواة، من بينهم حبيبتي ألم قشي، والأم، مختار علي، الصافية؛ وود أمونة نفسه، ما قصه لي مباشرة، وما اقتطفته من مذكراته، مع بعض التدخل، وقليل من التأويل، والتحوير، والالتفاف، والتقويم، والإفساد أحيانا، لحكاية ود أمونة في السجن.
قرر بينه وبين نفسه ألا يغسل الأطباق بعد اليوم، حتى لو نفذوا تهديدهم، ورموا به في الشارع، لا يهم؛ يستطيع أن يبقى خارج السجن، ويمكنه النوم تحت الجدار الذي يقابل غرفة أمه، وسوف يأكل ما ترميه أمه له من أعلى السور، وهو أيضا يعرف كيف يصطاد الطيور، والفئران، ويشويها، عن طريق المهارات القتالية التي اكتسبها من والدته، يستطيع أن يحارب الأشرار، قد لا يعرفهم الآن، ولكنه سينتصر عليهم فور أن يشرعوا في مهاجمته، كانت أمه أمونة تقول له دائما: «كان اعتدوا عليك عشرين أو مية شخص ، إنت أمسك واحد بس، وإن شاء الله تعضيه بسنونك، إن شاء الله تخربشه بأظافرك، إن شاء الله تدخل يدينك في عينه، لكن ما تخلي حقك للناس، ولا تبكي، ولا تجري، الدنيا دي ما ينفع فيها الضعيف.»
قطعت حبل تفكيره أنامل الشامة على رأسه: تعال، عليك الله، فليني يا ود أمونة.
অজানা পৃষ্ঠা
هو لا يحب الشامة، بالذات: «رائحة في فمها أعفن من البول، رأسها كله قمل، ووساخة، وقالوا كتلت راجلها.»
قالت له الشامة: أمك الليلة طلعوها خدمة في بيت المأمور، أنا ما عارفة المأمور دا عايز منها شنو «ماذا»، ما عايز يخليها في حالها. «ما حأغسل الصحانة.»
هكذا قال ود أمونة مصدرا أمرا لنفسه، وهو يتخيل نفسه يصرخ في وجه السجان الطباخ النحيف، صاحب الأصابع الطويلة، واليدين الممسكتين دائما بالكمشة أو المفراكة، كان هذا الرجل يرى في ود أمونة مستقبل طباخ ماهر. «ود أمونة يشبهني في أشياء كثيرة، عندما كنت طفلا كنت مثله وسيما، وكسولا، وكثير الشجار مع الأطفال، ولكني أيضا كنت أحب أن أكون في صحبة النساء مثله تماما.»
أكثر ما لا يحبه ود أمونة في طباخ السجن، بالإضافة إلى أطباقه التي دائما ما تحتاج إلى من يغسلها من الويكة، ودهن إدام القرع، أن طباخ السجن لوطي، هكذا يقول الناس عنه في العنبر، والعازة بالذات حذرته منه، وأوصته ألا يتركه ينفرد به، أو يلمسه في أماكن بعينها، وإذا قال له كلاما به قلة أدب عليه إخبارها، أو إخبار والدته أمونة بأسرع ما يمكن.
ولكن ود أمونة ما كان يحس بالخطر كما تحس به العازة، ولذا مرت نصيحتها كما تمر نصائح أمه اليومية الكثيرة المملة التي لا تفيد في شيء، بالأمس بعد أن فرغ ود أمونة من غسيل الأطباق، ورصها بانتظام على دولاب الحديد، طلب منه طباخ السجن أن يلعبا بالعملة النحاسية «صورة وكتابة»، وقال له: كان غلبتني تديني بوسة، وكان غلبتك أديك بوسة.
وبصق سفة الصعوط جانبا قرب قدر كبير على الفحم، وبحركة بهلوانية أخرج قطعة عملة من النحاس، أطارها في الهواء ثم تلقاها بكفه، وبسرعة البرق أغلق عليها بكل أصابعه واضعا في نفس اللحظة ابتسامة على طول وعرض فمه الكبير، بين أسنان صفراء متفرقة بارزة، سأل ود أمونة: طرة ولا كتابة؟
أطار بعض رذاذ البصاق في الهواء، سقط بعضه على وجه ود أمونة، مسحه بباطن كفه في قرف. «أكثر ما أكرهه في هذا الشخص شفاهه المبتلة دائما بالبصاق، ورائحة الصعوط.»
أعادته الشامة مرة أخرى من شروده، عندما قالت له وهي تعيد نظم ضفيرة من الشعر المستعار على رأسها: أمك حتجي بعد كدا، المأمور كرهها الدنيا، إنت عارف ملابسه، وملابس أولاده، وبناته، وحتى جيرانه، والله أنا شاكة في إنو قاعد يأخذ عمولة من الناس في الغسيل، أمك لو بقت مكنة غسيل حتنتهي، ولكن هانت، باقي لينا كلنا السنة دي بس، أمك باقي ليها ستة شهور، هانت يا ولدي.
قال له ود أمونة، بصورة نهائية وقاطعة: أنا ما عايز ألعب معاك طرة ولا كتابة.
قال له السجان بصوت منخفض محاولا أن يكون رقيقا: كويس، تعال أديك بوسة.
অজানা পৃষ্ঠা
ابتعد عنه ود أمونة محاولا الخروج، لكنه توقف عند الباب: ما عايز، لا تديني بوسة، ولا أديك بوسة.
غير السجان من نبرة صوته، وبدا جادا وحازما: كويس، لمان يجي الصول ويشوف الكباية الكسرتها تعرف حاجة. - حأكلم أمي.
قال الجاويش طباخ السجن مستهترا: أمك تعمل شنو، خليها تقدر على نفسها.
ثم أضاف بلين: بطنك تملاها من وين؟ تعال يا ود أمونة إديني بوسة، أو شيل مني بوسة زي ما تدور.
عندما ينتصف نهار السجن تسمع طقطقة الزنك، كأنها فرقعة عبوات رصاص صغيرة تقدح جماح العرق النسواني التعب، المتبل بفطر إبطهن وعاناتهن، رائحة البلاط وزنخ شعر الرأس الملبك بالأسطبة، والجورسي القديم، وطنين الذباب مختلطا بقهقهة السجانين، نداء الجاويش المسجوع من حين لآخر: موية يا بنات، الموية.
أخرجت الشامة مكافأة صغيرة من مطبقتها، وقدمتها لود أمونة؛ نظير متعة التفلية، وعربون خدمة قد تطلبها منه في يوم ما. العنبر الطويل يحتوي على عشرين سيدة: عجوزان اتهمتا قبل عشر سنوات ماضية بحيازة جوالين من الحشيش، صبية جميلة رقيقة اعتادت سرقة الذهب والمجوهرات، أمه بائعة عرقي البلح، وقد ضاعف قاض غيور على الدين العقوبة عليها سبع مرات؛ لأنها لم تقلع عن الفعل الحرام؛ جلدت مرارا، وغرمت تكرارا، وسجنت شهورا كثيرة متفرقات، الشامة اتهمت بقتل زوجها وتقول: إنه شرب الصبغة مع عصير البرتقال من تلقاء نفسه غيرة عليها، وأخريات، وأخريات، وأخريات، لكن ود أمونة كان لا يهتم بغير واحدة لا يعرف كم عمرها؟ ولا يفهم طبيعة جريمتها، كانت قليلة الكلام، تغني دائما بصوتها الشجي، وتحكي له قصصا طويلة تقصر عليه الانتظار الطويل بالسجن، ولو أنها كانت تقضي فترات طويلة مريضة طريحة بلاط العنبر، إلا أنها كانت الأكثر مرحا، هادئة، وطيبة، لينة، وصبور، أمه لا ترغب في أن يتقرب إلى العازة. - يا ولد أخير ليك تختى «تترك» الشرموطة دي.
وذلك أمام عازة مباشرة، وفي حضرة من حضر، لا يهم، تضحك عازة، وتجلس على الأرض، «تطلب مني أن أركب في ظهرها، وفي قفزة سريعة أركب، تنهض بي على الرغم من أرجلي الطويلة، تجري بي في الفراغ، الذي يقع بين العنبرين».
وعندما دخل الصول فجأة المطبخ، ارتبك الطباخ، أمر ود أمونة بأن يذهب إلى سجن الرجال، ويحضر الأواني الفارغة: بسرعة، يا ولد.
وهرب ود أمونة نحو عنبر الرجال.
أدخل هدية الشامة سريعا في جيبه، ثم تحسسها بكف يده اليمنى؛ ليتأكد من استقرارها هناك، باسته على خده قائلة: اجري غسل يديك، عايز تاكل بيهم كدا؟
অজানা পৃষ্ঠা
عندما يضع هدية الشامة في علبة التوفير مع ما وفره من هدايا المسجونين والمسجونات، وحتى الطباخ نفسه والعساكر، يكون قد تمكن من مبلغ لا يعرف قدره، ولكنه يزداد يوميا ببطء، ولكنه لا ينقص، حتى عندما يرسلونه إلى الدكان القريب، أو السوق لإحضار تمباك أو علبة سجائر، أو ما شابه ذلك، ويطلبون منه الاحتفاظ بالباقي، فهو يبخل على نفسه بقطعة من الحلوى الكثيرة الشهية التي تطل عليه من بين الأرفف والطبليات، وفي أيدي الأطفال الذين في عمره، كان يعرف أيضا المساجين الذين في عنبر الرجال، قد تتغير الأوجه يوميا، ولكن المساجين الجدد يعرفون في اليوم الأول لقدومهم بالاسم، والقبيلة، والجريمة، والمدينة، والقرية، والشهرة، جمع بسرعة الأواني التي دفع بها السجناء خارج زنزاناتهم، أو عنابرهم، ثم أخذ ما يستطيع حمله على جسده الصغير، ومضى به نحو المطبخ، كان الصول لا يزال هناك، وعندما رأى ود أمونة يترنح تحت ثقل الأواني صرخ في وجه الطباخ: إنت عايز تقتل ود المرا دي ولا شنو؟
فأسرع الطباخ في تناول الأواني من على كتف ود أمونة، وهو يعتذر بهمهمة غير مفهومة.
قال لود أمونة في ود: يلا اجري العنبر، أمك في انتظارك، تكون جات من الخدمة.
قال ود أمونة للشامة: أنا ماشي لعازة.
ردت عليه في شماتة: إنت ما عارف إنو دخلوها الزنزانة. - عارف ووديت ليها موية قبيل، مسكينة عازة.
قالت بصورة حادة: ما مسكينة ولا حاجة، عازة دي مجرمة.
قال ود أمونة مستغربا: ما لها، عملت شنو؟ قالت لي هي ما عملت أي شيء.
قالت الشامة: لقوا عندها ممنوعات.
عندها استطاع أن يربط ود أمونة أحداث قبل الأمس بأحداث يوم أمس، بما سمعه اليوم من الشامة.
أحداث أول أمس: كانت عازة تحت الحائط الشرقي، ليس بعيدا عن برج المراقبة، حيث كان السجان بريمة بين وقت وآخر يتبادل الكلمات مع العازة، وأيضا السجائر، حدثتني العازة عن أمانة تخصها عند امرأة في الحمرة بإثيوبيا، وأن المرأة جاءت من هناك، وهي الآن في القضارف، ولم تجد طريقة لإحضار الأمانة لها في السجن؛ لأنها تخاف من البوليس، ولها سوابق كثيرة.
অজানা পৃষ্ঠা
ثم أضافت ضاحكة: سمعتها سيئة.
أحس ود أمونة حقيقة بارتباك في تفكيره عند سماعه الجملة الأخيرة «سمعتها سيئة»، ولم يفهم لهذه الجملة معنى محددا، ولكنه ابتسم واقترح في نفسه أن لها معنى مثل جملة الطعام الفاسد، تجاوز ذلك، أو لم يستطع أن يتجاوز ذلك، قال لها: يعني ما لها؟
قالت له: يعني!
وأحنت رقبتها الطويلة بطريقة عقدت المعنى، ثم أضافت: سجنوها كثير جدا. - زي أمي كدا؟
قالت بسرعة: أمك مسكينة ، ما عندها حاجة غير عرقي بلح بس، ولكن القاضي قاصدها.
قذف بريمة للعازة بعلبة سجائر برنجي، سقطت على حجرها مباشرة، وعندما نظرت إليه غمز لها بعينه اليسرى، فضحكت وضحك، ضمته عازة إلى صدرها بشدة إلى أن اشتم رائحة إبطها، وقالت لي هامسة: تساعدني يا ود أمونة؟ - كيف؟ - تجيب لي الأمانة من ألم قشي؟ - ألم قشي؟ إنت ما قلت لي: مرا من الحمرة؟ - أيوه، إنت ما عارف إنو ألم قشي من الحمرة.
أضاف في استسلام: وين ألاقيها؟
قالت وهي تحك بأظافرها سيخ الباب: في موقف الشواك. - وكيف أطلع؟
قالت لي مبتسمة: سهلة، لما يرسلك الطباخ للسجائر زي كل يوم، تقوم جاري لموقف الشواك، وتلقاها هناك منتظراك، الكلام دا بعدين، بعد صلاة الضهر، زي كل يوم. - لو ما رسلني الليلة؟
قالت بثقة: حيرسلك، دخل الأمانة هنا. - وين؟ - هنا، هنا.
অজানা পৃষ্ঠা
ولا يدري، أحدث هذا صدفة أم عنية، ولكن استقرت كفها هنالك لوقت خبيث لا بأس به، وقبل أن تشرح له أكثر قرصته برقة فيه، رقة وحشية غامضة، رقة أكثر.
ما حدث بالأمس: اعتاد ود أمونة أن ينام مع أمه في ذات السرير، أو هي كانت تصر على ذلك، ربما خوفها الشديد عليه له ما يبرره، خوفها من الجميع دون فرز، مسجونات ومسجونين، سجانين وعمال سجن، لم يكن هو الطفل الوحيد الذي في صحبة أمه بالسجن، بل كانت هناك ثلاث طفلات، ولكنهن رضيعات ولا يعرفن شيئا، بل لا يمكن إصابتهن بمكروه ظاهر، لكن طفلها ود أمونة طفل التاسعة في خطر دائم من الجميع، لأسباب أهمها أن لابنها جسدا أكبر من عمره، وأنه رغم البؤس، وسوء الطعام مع قلته، له جسد سمين وساقان طويلتان مما يجعله أكبر من عمره بكثير، وإذا أضافت إلى ذلك وسامته، فإن الأمر يبدو واضحا وجليا، أمه تعرف أن الطباخ منحرف، وأنه يتقرب إلى ابنها وقالت لنفسها: إذا لمس الولد ده لمسة، لمسة حاقتلو قتلة يتحدث بها الناس إلى يوم القيامة، ولكنها تخاف عليه أيضا من النساء، ولو أنه لم يبلغ الحلم بعد، ولكنها تعرف أنهن يعرفن كيف يستخدمنه.
ولقد خاطبتهن على ملأ: اسمعن يا شراميط هيييي، اليوم اللي ألقى فيه ولدي دا مع واحدة، ح أرسلها الآخرة.
ضحكن؛ غظنها بقولهن إنهن سيفعلن، وإنها فرصة له ليتدرب، ولكنهن في باطن عقولهن، كن يعرفن أنها جادة في قولها، وأنها ستفعل.
عندما استيقظت أمه استيقظ، في الحق استيقظ العنبر كله على جلبة مصدرها عراك في عنبر الرجال، السبب البنقو. - البنقو؟
وكعادة السجانين أنهم يتبعون أقصر الطرق للحصول على الحقيقة، وهي الضرب المبرح، والقرص بالزردية؛ لذا لم يستغرق الأمر طويلا، جاء جاويش يسمى غلبة إلى عنبر النساء، أمسك بيد عازة، أوقفت، ثم صفعت في وجهها بكف كبيرة قبل أن يقول لها غلبة: أرح وراي.
قال ود أمونة للشامة، وقد استدرك الأشياء كلها، وربط بينها: البنقو، مش كدا؟
قالت له الشامة: أيوه، البنقو.
سألها: جابته من وين؟
قالت له: أبت تعترف.
অজানা পৃষ্ঠা
سأل خائفا: وإذا ضربوها حتعترف؟
قالت له: هم ضربوها ولكن العازة عنيدة، ولو كتلوها ما حتعترف.
جلس عند باب الزنزانة، كانت يدها على يده بين السيخ، قوية وواثقة ودافئة، كانت آثار الضرب واضحة على وجهها، اعتاد ود أمونة على هذه المناظر، وما عادت تؤلمه كثيرا، فقد رأى أمه مرارا بوجه متورم، وظهر متقيح، بل شاهد ذات مرة الجاويش غلبة يتحرش جنسيا بوالدته، وعندما أبعدته عن نفسها قام بصفعها في وجهها عدة مرات.
قال بصوت ضعيف مرتجف: حيقبضوني.
ضحكت العازة مؤكدة له أن الشيء الذي أحضره من ألم قشي ليس هو البنقو، ولا شيئا ممنوعا، وفتحت له كيسا كان قربها، وأخرجت منه لفافة، هي اللفافة ذاتها التي أحضرها، مدتها إليه قائلة: افتحها.
أبعد يديه في خوف: لا. - أقول ليك شوف فيها شنو، عشان تتأكد.
وعندما رفض، وحاول أن يهرب، قامت بفضها، فلم يكن بها سوى قطن طبي. قالت له: قطن، قطن تحتاج ليه النسوان، وهو ممنوع في السجن؛ لأن المساجين بيعملوا منه قنابل بالبنزين.
لم يقتنع ود أمونة، ولكنه أحس براحة نفسية عميقة، قالت له : أنا ما بعت أي بنقو للمساجين، ولا يحزنون، وما تخاف علي ولا على نفسك.
قبل غروب الشمس بقليل جاءت أمه، كان قد استحم، وغسل جلبابه الآخر، وحذاءه البلاستيكي، وانتظرها راقدا على السرير، كاد ينام، رمت عليه كيسا صغيرا به تفاحة، وقطعة حلاوة المولد، ورغيف، وطحنية. - الليلة اشتغلنا غسيل في بيت المأمور، غسلنا ملابس ناس الحلة كلها.
قالت له أمه في حنية، وهي تمسح رأسه بكفها: كنت وين بالنهار؟ رسلوك للدكان والسوق؟ - غسلت العدة للطباخ، واتونست مع عازة، لو شفتي يا أمي دقوها دق.
অজানা পৃষ্ঠা
قالت أمونة جملة واحدة، ورمت بنفسها على السرير قربه: تستاهل. - ليه يا أمي؟ - البت دي قليلة أدب شوية، الوداها تبيع البنقو شنو؟
قال دون تركيز: يا أمي هي عندها قطن مش بنقو.
قالت مستغربة: قطن شنو؟ في قطن يبيعوه؟ - والله أنا شفته. - إنت ما عايز تختى الزولة دي؟ أنا مش قلت ليك ما تكون معاها؟
سكت ود أمونة قليلا، بدأ يقضم جزءا كبيرا من التفاحة، أكلها باستمتاع ظاهر، قال: كل يوم جيبي لي تفاحة. - كويس.
عندما نامت أمه، أخذ ما تبقى من الكيس، ومضى نحو الزنزانة، كان الظلام قد بدأ يهبط، ولكن الإضاءة الضعيفة عبر الممر دائما ما تمكنه من التجول بسهولة في أنحاء السجن، كما أن الحرس قد اعتادوا عليه، ولا يعترضون تجواله، بل يرحبون به، ويداعبونه، ويرسلونه، على كل هو شخص محبوب هنا، رفضت العازة في بادئ الأمر تناول ساندوتش الطحنية الذي مده إليها ود أمونة، ولكنه عندما بدأ يبكي، أخذته منه، كانت جائعة جدا، وبدت له شاحبة وهزيلة وأظهرتها الإضاءة الباهتة مثل شبح كبير حقيقي، ولكن كفها الدافئة تؤكدها باستمرار، وتسري في نفسه بهجة وحبا، لأول مرة تسأله عن والده، قال لها: أمي قالت لي أبوي يمني، وقالت رجع اليمن، كان عنده دكان في الحلة، تزوج أمي، وطلقها. - ما عندك إخوان تاني؟ - لا، أنا وأمي بس، أهل أمي في البلد. - وين بلدكم؟ - والله ما عارفها، أمي قاعدة تقول البلد، والبلد دي وين؟ أنا ما شفتها، أنا ولدوني في «الحلة»، وما مشيت أي مكان تاني، غير جينا هنا القضارف في السجن، دخلت مع أمي كتير، قالوا من ما كنت برضع، ولكنها طلعت ودخلوها تاني. - أنا حأطلع قبل أمك، لو أمك وافقت حآخدك معاي أنا عندي أهل وأسرة في القضارف هنا، تعيش معانا في البيت لحدي ما تطلع أمك من السجن: كويس؟
قال لها في يأس: أمي ما بتقبل، لو علي أنا، حأمشي معاك طوالي. - حأحاولها، إن شاء الله تقبل، إنت لازم تمشي المدرسة، هسع «الآن» عمرك كم؟ - تسعة سنين، ما حيقبلوني في المدرسة؟ أنا حأمشي اشتغل مع الميكانيكيين عشان أطلع سواق، وميكانيكي.
قالت بصورة مؤثرة: لأ، حتقرا وتطلع دكتور.
قدم لها قطعة كبيرة من حلاوة المولد وهو يضيف: وأمي قالت بدون شهادة ميلاد ما في لي طريقة.
قالت وقد رأى بريق عينيها عبر ضوء الممر الخافت: حأطلع ليك شهادة تسنين، وحأدخلك المدرسة، أنا بعرف مدير مرحلة الأساس، قاعد يجي بيتنا في القضارف، وبعرف الزول البيطلع شهادات التسنين، ما عندك أي مشكلة، بس كيف أمك توافق.
مر بهما شرطي نحيف طويل اسمه علي، يعرفونه بالجاك طويلة، شخص، مرح ويعرف بأنه متدين، ودائما ما يؤم السجانين في الصلاة، قال مخاطبا عازة: لقيتي زول تتونسي معاه.
অজানা পৃষ্ঠা
ردت عليه عازة: الله كريم.
قال وهو يمسك باب الزنزانة: قابلت أبوك الصباح. - طبعا ما سأل مني. - قاللي لو طلعتوها من السجن، إخوانها حيقتلوها، أخير تكون قاعدة معاكم.
قالت بإصرار: ما فيش زول يقدر يقتلني، والراجل يمد إيدو علي، وأنا حأطلع بعد شهر، ونشوف: الحشاش يملأ شبكته.
قال وهو يحملق في وجهها الذي ألصقته بسيخ الباب: سافري من البلد، امشي أي مكان تاني تعيشي فيهو، وإنت زولة متعلمة، وعندك مهنة.
قالت محاولة أن تبتسم: الغنا دا كمان مهنة؟ - لييه؟ الفنانين ديل دخلهم دهب. - أنا حأشتغل أبيع شاي، وفي القضارف، وعارفة ما فيهم واحد راجل يقدر يلمسني، كان أحمد، ولا الصادق، أو أي طرطور آخر.
قال لها مغيرا مجرى الحديث: المأمور قال بكرة حيطلعك من الزنزانة للعنبر، ولكن حيكتبك إقرار عشان ما تقومي بأي عمل إجرامي هنا في السجن.
قالت: ربنا أحسن منه.
قال ضاحكا: إنت بس لو سبتي بنات حي فوق ديل، ما في حاجة بتجيك.
قالت بضيق: أنا يا مولانا ما عملت حاجة، يعني شنو لو لقوني في بيت عزابة؟ ولييه ما سجنوا العزابة؟
قال: العزابة هربوا.
অজানা পৃষ্ঠা
قالت بمرارة: كلهم معروفين، وقاعدين في القضارف، ولو عايز هسع أرح أمشي معاي أسلمك ليهم واحد واحد، ومنو القال ليك هم عزابة؟
قال في صوت خفيض: دي مسئولية المباحث والتحري والقاضي، أنا زول شغال في السجن هنا، يجيبوا لي أحرس، ما جابوا، ما عندي غرض بزول.
أيضا لم يفهم ود أمونة ماذا يعني أن يقبضوا على امرأة إذا دخلت بيت «عزابة»، اعتبر ذلك مثل الطعام الفاسد أيضا.
عندما مضى جاك طويلة، جلست معطية ظهرها للباب الحديد، وخلف السيخ كان ود أمونة يمشط شعرها بخلاله، وهي تغني بصوت شجي عميق:
من طرف الحبيب جات أغرب رسايل.
يحكي عتابه فيها.
قال ناسينه قايل.
قال ناسينه قايل.
هذه الأغنية لا تعجبه، تعجبه أغنية:
ما هي دنيتنا الجميلة.
অজানা পৃষ্ঠা