وفي الديوانين قطعة جيمية رويت لعمر ورويت لجميل، منها هذه الأبيات:
قالت وعيش أخي وحرمة والدي
لأنبهن الحي إن لم تخرج
فخرجت خيفة قولها فتبسمت
فعلمت أن يمينها لم تحرج
فلثمت فاها آخذا بقرونها
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
وهو كلام فيه من عبث المجون والمماحكة بين عمر وصويحباته، وليس فيه من جد العشق الذي كان بين جميل وبثينة، ولا هو مما يوافق فخر جميل باقتحام المنازل والمناجزة لمن يترصدون له بالسيوف حول بيت بثينة، ومنهم أبوها وأخوها كما جاء في بعض الأخبار، وتكرر في سيرته على روايات مختلفات.
فالذي نرجحه أن جميلا كان يحب أن يحكي عمر في بعض ما قال، ولكننا لا نرجح هذا الترجيح لنخلص منه إلى تقديم عمر على جميل في الصناعة الشعرية، فهما فيها متكافئان يختلفان حينما اختلفا في المزاج والخليقة، ولا يدعو ذلك إلى تفضيل أحدهما على الآخر في صناعة النظم والتعبير، وإنما نحمل اقتباس جميل من عمر على اقتداء البدوي بأهل الحضارة حيثما كان وكانوا، ولا سيما إذا كان الحضري شاعرا مقبول الشعر بين العلية والمترفين من أبناء المدينة وبناتها، وهم أهل الطبقة التي تروع من البدو خاصة من كان قريبا إلى معيشة المدن غير منقطع لخشونة البادية، على مثال جميل. •••
فهما إذن في الشعر ندان متكافئان، جميل وعمر بن أبي ربيعة. وقد خرجا معا بالغزل كله من ناحيتيه في القرن الأول للهجرة بأرض الحجاز بين حاضرة وبادية، فلو زال شعر الغزل في تلك البيئة وفي ذلك العصر جميعا، فلم يبق منه إلا ما نظم هذان الشاعران لأغنانا عن كل ما عداه في الدلالة على حالة المرأة وحالة النساء، كما ينعتها العاشق وزير النساء.
অজানা পৃষ্ঠা