ولقد كان يرحل ويعود فيتهمها بصلة جديدة ثم لا تبالي هي أن تلمح إلى هذه الصلة في بعض مناجاتها إياه.
وقد تزوجت برجل أعور ضعيف المنة لا يروقها ولا تهابه ولا تشعر بحماه، فلولا أن «بني الأحب» كانوا في ذلك الحين كما وصفهم لما كان زواجها بذلك الرجل خير زواج ترتضيه، بعد أن حيل بينها وبين الزواج بجميل.
ونحن نعلم أنها تزوجت ولا نعلم أن جميلا قد تزوج إلى أن مات، وقد تكون أوفى النساء له ثم تتزوج؛ لأن أمرها إلى غيرها، وهو لا يتزوج؛ لأن أمره بين يديه، ولكنها لم تكن من الوفاء بحيث يقدح الزواج وحده في ذلك الوفاء، ولعلها إحدى الكثيرات اللاتي يصدق فيهن وصف كثير تلميذ جميل:
ألا إنما ليلى عصا خيزرانة
إذا غمزوها بالأكف تلين
عشق جميل وبثينة
كل ما قرأناه عن جميل، أو قرأناه من كلام جميل، يدل على طبيعة العلاقة التي كانت بينهما، وهي العلاقة التي تكون بين الرجل والمرأة، وتتعطل فيها الإرادة بعض التعطيل أو كل التعطيل، أو هي العلاقة التي نسميها العشق والغرام.
ومن الواجب أن نذكر هنا أن العلاقات الإنسانية كلها تستتبع شيئا من تقييد الإرادة قل أو كثر؛ فالصديق لا يفارق صديقه بمحض اختياره، والشريك لا يفارق شريكه ولا مندوحة عن فراقه، وكذلك الزميل أو الزوج أو صاحب الطريق، ولكن التفرقة هنا ضرورية بين تعطيل وتعطيل وبين تقييد وتقييد، فالذي يتعاطى دواء ينفعه أو ينتظر منه النفع يصعب عليه أن يتركه ويكف عن تعاطيه، والذي تعود التدخين يصعب عليه كذلك أن يتركه ويكف عن تعاطيه، ولكن الفرق بين تقييد الإرادة في الحالتين واضح كل الوضوح.
ففي الحالة الأولى يفكر الإنسان في العواقب وفي المنافع، فلا يقدم على الامتناع.
وفي الحالة الثانية يفكر الإنسان أو لا يفكر فالنتيجة سواء، بل هو قد يفكر ويؤمن بالضرر، ويمتلئ يقينا بفائدة الامتناع، ثم لا يمتنع ولا يفلح أحيانا لو حاول الامتناع.
অজানা পৃষ্ঠা