والرئاسة مستقلا فيها، أصيلا في العقل شريفا في الأخلاق حسنا في التدبير عارفا بالشريعة، حتى لا يكون أعرف بها منه في وقته، بحيث يحتاج إليه الكل في الكل ويكون هو غنيا عن الكل، ممتازا عنهم بالفضائل النفسانية والكمالات الجسمانية من العلم والحكمة والعفة والشجاعة والقوة وشدة البأس، بحيث يكون خطيرا في القلوب قويا على مقاومة العدو ومكابدة الحروب، ومع ذلك يكون فائزا بالخواص النبوية، ليصير ربا إنسانيا وسلطانا في العالم الأرضي وخليفة الله فيه، فيحل تفويض معرفة الدخل والخرج، وإعداد أهبة الأسلحة والحقوق والثغور وغير ذلك من الأهوال والأحوال وخاصة في العبادات والمعاملات إليه.
وقد اعترف بذلك أقاصيهم وأقر به أدانيهم، فما بالهم يقولون: إن الرجل كان ممن لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله، واتصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات، وإنه كان عظيم الخطر في القلوب قويا على مقاومة العدو ومكابدة الحروب، وبسيفه فتح الله البلاد وبسطوته آمن العباد، وإنه كان عارفا بالسياسات عالما بالديانات وخصوصا بهذا الدين والشريعة، حتى ما كان أعرف بها منه في وقته، لقوله: " أقضاكم علي " (1) ولرجوعهم في العويصات إليه، واعتضادهم في المشكلات به كما اعترف به حكيمهم ابن سينا،... إلى غير ذلك؟!
ومع ذلك كله هم ينكرونه، ويقولون: إن السياسة والرئاسة كانت مما لا بد منه في انتظام أمر المعاش والمعاد إلا أنه كان غيره أحق بها منه، لمجرد إجماع يدعونه ولا يثبتونه، لعدم تحقق شرائطه كما سننبه عليه، مع أن بديهة العقل شهدت - وكفى بها شهيدا - بأن الاستخلاف إذا كان بطريق النص لا يؤدي إلى الافتراق والاختلاف وغيرهما، مما يؤدي إليه تركه من المنازعات والمناقشات الصادة عن انتظام أمر المعاش والمعاد.
وكيف خالف الله ورسوله مقتضى بديهة العقل وما هو الأصلح والأصوب من
পৃষ্ঠা ৭