64

(أحدها) أن سفيان رحمه الله كان بينه وبين أبي حنيفة عداوة ظاهرة لأن أبا حنيفة كان يبهتهم ويلقمهم الحجر فلا يقدرون على أن يتكلموا وكان سفيان وأمثاله من البشر تأمرهم النفس الأمارة بالسوء على الوقيعة فيه بحكم البشرية كأخوة يوسف أولاد يعقوب النبي صلى الله عليهم وسلم ثم يتذكرون فإذا هم مبصرون فجعلوا يمدحونه* والدليل على صحة ما قلنا أنه ما حكي عن أحد من هؤلاء الطعن في أبي حنيفة إلا حكي عنه ثناء ومدح في وقت آخر فالأول كان بحكم البشرية والنفس الأمارة بالسوء والثاني بحكم ورعهم وتقواهم وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} * إلا من عصمه الله تعالى فيملك نفسه عند الغضب فلم يغتب أحدا كأبي حنيفة رضي الله عنه فإنه لم ينقل عنه أنه ذكرهم بسوء على ما حكى عبد الله بن المبارك قال كنت عند سفيان فوقع في أبي حنيفة فقلت له ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة ما رأيته يغتاب أحدا فقال سفيان إنه لأ عقل من أن يسلط أحدا على حسناته*

(والجواب الثاني) أن أبا يوسف رحمه الله فسر ذلك فقال لما دعا ابن هبيرة أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع وكان مذهب ابن هبيرة أن من خرج عن طاعة الإمام كفر فقال له كفرت يا أبا حنيفة تب إلى الله فقال أبو حنيفة أتوب إلى الله من كل سوء ثم دعاه الثانية ففعل ذلك ثلاث مرات ثم حبسه فقال أبو حنيفة حتى أشاور أصحابي وأتأنى في أمري فخلى سبيله فركب دابته ولحق بمكة فلم يزل بها حتى تصرمت الدولة المروانية وانتقل الأمر إلى عبد الله السفاح فوفد إليه أبو حنيفة فهذا معنى قول سفيان استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين*

পৃষ্ঠা ৬৬