الدنيا بأسرها، وكان كثير الوزراء فاختار منهم واحدا وأخرجه لينظر فى ملكه، وكان إذا أتى بلدة يختار من حكمائها عشرة رجال، وكان معه من العلماء والحكماء مائة ألف رجل هم الذين اختارهم من البلدان ولم يكونوا محسوبين من الجيش. ثم إنه قصد مكة، فلما انتهى إليها لم يخضع له أهلها كخضوع غيرهم ولم يعظموه، فغضب لذلك ودعا وزيره وشكى إليه فعلهم، فقال: إنهم عرب لا يعرفون شيئا ولهم بيت يقال له الكعبة وهم معجبون به، فنزل الملك بعسكره ببطحاء مكة وعزم على هدم البيت وقتل الرجال ونهب النساء وسبيهم، فأخذه الصداع وتفجر من عينيه وأذنيه ومنخريه وفمه ماء منتن فلم يصبر عنده أحد طرفة عين من شدة النتن.
(فقال لوزيره) اجمع العلماء والحكماء والأطباء فلم يقدروا على الجلوس عنده، وعجزوا عن مداواته وقالوا: نحن نقدر على مداواة ما يعرض من أمور الأرض، وهذا من السماء لا نستطيع له ردا، ثم اشتد أمره وتفرق الناس عنه، فلما أقبل الليل جاء أحد العلماء لوزيره فقال: إن بينى وبينك سرا، فإن كان الملك يصدقنى فى حديثه عالجته، فاستبشر الوزير بذلك وجمع بينه وبين الملك، فلما خلا به قال له العالم: أيها الملك أنت نويت لهذا البيت سوءا، قال: نعم، فقال له العالم: أيها الملك نيتك أحدثت لك هذا الداء، ورب هذا البيت عالم بالأسرار، بادر وارجع عما نويت، فقال الملك: قد أخرجت ذلك من قلبى ونويت لهذا البيت وأهله كل خير، فلم يخرج العالم من عنده الا وقد عافاه الله تعالى من علته فآمن بالله من ساعته وخلع على الكعبة سبعة أثواب، وهو أول من كسا الكعبة، كما سأذكره بعد إن شاء الله تعالى.
(ثم خرج) إلى يثرب وليس بها يومئذ بيت وإنما فيها عين ماء فنزل عند العين ثم إن العلماء والحكماء أخرجوا من بينهم أربعمائة وهم أعلمهم وتبايعوا أن لا يخرجوا من يثرب وإن قتلهم الملك فلما علم الملك بذلك سألهم عن الحكمة التى اقتضت إقامتهم فى هذه البلدة؟
فقالوا: أيها الملك إن ذلك البيت وهذه البقعة يشرفان برجل يبعث فى آخر الزمان اسمه محمد، ووصفوه ثم قالوا: طوبى لمن أدركه وآمن به، ونحب أن ندركه أو يدركه أولادنا، فلما سمع الملك بذلك هم بالمقام معهم فلم يقدر على ذلك فأمر بعمارة أربعمائة دار على عدة العلماء، وأعطى كل واحد منهم جارية وأعتقها وزوجه بها، وأعطاهم مالا جزيلا.
পৃষ্ঠা ৫৩