حسن نيته وقصده من كلامه، وفتواه أكثر من ثلاثين سفرا، ومن الله سبحانه علينا بأكثرها فلم يفتنا منها إلا القليل، وجمع الخلال نصوصه في "الجامع الكبير" فبلغ نحو عشرين سفرا أو أكثر، ورويت فتاويه ومسائله، وحدث بها قرنا بعد قرن، فصارت إماما وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى أن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلدين لغيره ليعظمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوى الصحابة، ومن تأمل فتاواه وفتاوى الصحابة رأى مطابقة كل منها على الأخرى، ورأى الجميع كأنها تخرج من مشكاه واحدة، حتى أن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان، وكان تحريه لفتاوى الصحابة كتحري أصحابه لفتاويه ونصوصه، بل أعظم، حتى أنه ليقدم فتاواهم على الحديث المرسل، قال إسحاق بن إبراهيم ابن هانئ في "مسائله": قلت لأبي عبد الله: حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرسل برجال ثبت أحب إليك أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟ قال: أبو عبد الله رحمه الله: عن الصحابة أعجب إلي.
قلت: مما يدل على شدة تمسك الإمام أحمد بالحديث والآثار، فقد ذكر عبد الله في "مسائله" (¬1) لأبيه قال: سمعت أبي -وذكر وضع الكتب فقال: أكرهها؛ هذا أبو حنيفة وضع كتابا فجاء أبو يوسف ووضع كتابا وجاء ابن الحسن فوضع كتابا، فهذا لا انقضاء له، كلما جاء رجل وضع كتابا، وهذا مالك وضع كتابا، وجاء الشافعي أيضا، وجاء هذا -يعني: أبا ثور- وهذه الكتب وضعها بدعة، كلما جاء رجل وضع كتابا، ويترك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. أو كما قال أبي هذا أو نحوه.
পৃষ্ঠা ৮