তাফসির আল-তাবারি
جامع البيان في تفسير القرآن
[البقرة: 19] إلى قوله: { وإذآ أظلم عليهم قاموا } ، فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاء أو طمأنينة أو سلوة من عيش، قال: أنا معكم وأنا منكم وإذا أصابته شدة حقحق والله عندها فانقطع به فلم يصبر على بلائها، ولم يحتسب أجرها، ولم يرج عاقبتها. وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:
فيه ظلمت ورعد وبرق
[البقرة: 19] يقول: أخبر عن قوم لا يسمعون شيئا إلا ظنوا أنهم هالكون فيه حذرا من الموت، والله محيط بالكافرين. ثم ضرب لهم مثلا آخر فقال: { يكاد البرق يخطف أبصرهم كلما أضآء لهم مشوا فيه } يقول: هذا المنافق، إذا كثر ماله وكثرت ماشيته وأصابته عافية قال: لم يصبني منذ دخلت في ديني هذا إلا خير، { وإذآ أظلم عليهم قاموا } يقول: إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء قاموا متحيرين. وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس:
فيه ظلمت ورعد وبرق
[البقرة: 19] قال: مثلهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة ولها مطر ورعد وبرق على جادة، فلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها، وإذا ذهب البرق تحيروا. وكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له، فإذا شك تحير ووقع في الظلمة، فكذلك قوله: { كلما أضآء لهم مشوا فيه وإذآ أظلم عليهم قاموا } ثم قال: في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس { ولو شآء الله لذهب بسمعهم وأبصرهم } قال أبو جعفر: وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو نميلة، عن عبيد بن سليمان الباهلي، عن الضحاك بن مزاحم: { فيه ظلمت } قال: أما الظلمات فالضلالة، والبرق: الإيمان. وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني عبد الرحمن بن زيد في قوله:
فيه ظلمت ورعد وبرق
[البقرة: 19] فقرأ حتى بلغ: { إن الله على كل شيء قدير } قال: هذا أيضا مثل ضربه الله للمنافقين، كانوا قد استناروا بالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: ليس شيء في الأرض سمعه المنافق إلا ظن أنه يراد به وأنه الموت كراهية له، والمنافق أكره خلق الله للموت، كما إذا كانوا بالبراز في المطر فروا من الصواعق. حدثنا عمرو ابن علي، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء في قوله:
أو كصيب من السمآء فيه ظلمت ورعد وبرق
[البقرة: 19] قال: مثل ضرب للكافر. وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه، فإنها وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها متقاربات المعاني لأنها جميعا تنبىء عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيمان المنافق مثلا، ومثل ما فيه من ظلمات بضلالته، وما فيه من ضياء برق بنور إيمانه، واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه بضعف جنانه وتحير فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته، ومشيه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه، وقيامه في الظلام بحيرته في ضلالته وارتكاسه في عمهه. فتأويل الآية إذا إذا كان الأمر على ما وصفنا: أو مثل ما استضاء به المنافقون من قيلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم: آمنا بالله وباليوم الآخر وبمحمد وما جاء به، حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكام المؤمنين، وهم مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر، مكذبون، ولخلاف ما يظهرون بالألسن في قلوبهم معتقدون، على عمى منهم وجهالة بما هم عليه من الضلالة لا يدرون أي الأمرين اللذين قد شرعا لهم فيه الهداية في الكفر الذي كانوا عليه قبل إرسال الله محمدا صلى الله عليه وسلم بما أرسله به إليهم، أم في الذي أتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربهم؟ فهم من وعيد الله إياهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وجلون، وهم مع وجلهم من ذلك في حقيقته شاكون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. كمثل غيث سرى ليلا في مزنة ظلماء وليلة مظلمة يحدوها رعد ويستطير في حافاتها برق شديد لمعانه كثير خطرانه، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه وينهبط منها نارات صواعق تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق. فالصيب مثل لظاهر ما أظهر المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق، والظلمات التي هي فيه لظلمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب. وأما الرعد والصواعق فلما هم عليه من الوجل من وعيد الله إياهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في آي كتابه، إما في العاجل وإما في الآجل، أي يحل بهم مع شكهم في ذلك: هل هو كائن، أم غير كائن، وهل له حقيقة أم ذلك كذب وباطل؟ مثل. فهم من وجلهم أن يكون ذلك حقا يتقونه بالإقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم مخافة على أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات. وذلك تأويل قوله جل ثناؤه:
يجعلون أصبعهم في آذانهم من الصوعق حذر الموت
অজানা পৃষ্ঠা