তাফসির আল-তাবারি
جامع البيان في تفسير القرآن
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا * وإذا لأتينهم من لدنآ أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما * ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين
[النساء: 66-69] قال أبو جعفر: فالذي أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته أن يسألوه ربهم من الهداية للطريق المستقيم، هي الهداية للطريق الذي وصف الله جل ثناؤه صفته. وذلك الطريق هو طريق الذين وصفهم الله بما وصفهم به في تنزيله، ووعد من سلكه فاستقام فيه طائعا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أن يورده مواردهم، والله لا يخلف الميعاد. وبنحو ما قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس وغيره. حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { صراط الذين أنعمت عليهم } يقول: طريق من أنعمت عليم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الذين أطاعوك وعبدوك. وحدثني أحمد بن حازم الغفاري، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر عن ربيع: { صراط الذين أنعمت عليهم } قال : النبيون. وحدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: { أنعمت عليهم } قال: المؤمنين. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: قال وكيع { أنعمت عليهم }: المسلمين. وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد في قول الله: { صراط الذين أنعمت عليهم } قال: النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه. قال أبو جعفر: وفي هذه الآية دليل واضح على أن طاعة الله جل ثناؤه لا ينالها المطيعون إلا بإنعام الله بها عليهم وتوفيقه إياهم لها. أو لا يسمعونه يقول: { صراط الذين أنعمت عليهم } فأضاف كل ما كان منهم من اهتداء وطاعة وعبادة إلى أنه إنعام منه عليهم؟ فإن قال قائل: وأين تمام هذا الخبر، وقد علمت أن قول القائل لآخر: أنعمت عليك، مقتض الخبر عما أنعم به عليه، فأين ذلك الخبر في قوله: { صراط الذين أنعمت عليهم } وما تلك النعمة التي أنعمها عليهم؟ قيل له: قد قدمنا البيان فيما مضى من كتابنا هذا عن اجتزاء العرب في منطقها ببعض من بعض إذا كان البعض الظاهر دالا على البعض الباطن وكافيا منه، فقوله: { صراط الذين أنعمت عليهم } من ذلك لأن أمر الله جل ثناؤه عباده بمسألته المعونة وطلبهم منه الهداية للصراط المستقيم لما كان متقدما قوله: { صراط الذين أنعمت عليهم } الذي هو إبانة عن الصراط المستقيم، وإبدال منه، كان معلوما أن النعمة التي أنعم الله بها على من أمرنا بمسألته الهداية لطريقهم هو المنهاج القويم والصراط المستقيم الذي قد قدمنا البيان عن تأويله آنفا، فكان ظاهر ما ظهر من ذلك مع قرب تجاور الكلمتين مغنيا عن تكراره كما قال نابغة بني ذبيان:
كأنك من جمال بني أقيش
يقعقع خلف رجليه بشن
يريد كأنك من جمال بني أقيش جمل يقعقع خلف رجليه بشن، فاكتفى بما ظهر من ذكر الجمال الدال على المحذوف من إظهار ما حذف. وكما قال الفرزدق بن غالب:
ترى أرباقهم متقلديها
إذا صدىء الحديد على الكماة
يريد: متقلديها هم، فحذف «هم» إذ كان الظاهر من قوله: «أرباقهم» دالا عليها. والشواهد على ذلك من شعر العرب وكلامها أكثر من أن تحصى، فكذلك ذلك في قوله: { صراط الذين أنعمت عليهم }. القول في تأويل قوله تعالى: { غير المغضوب عليهم }. قال أبو جعفر: والقراء مجمعة على قراءة «غير» بجر الراء منها. والخفض يأتيها من وجهين: أحدهما أن يكون غير صفة للذين ونعتا لهم فتخفضها، إذ كان «الذين» خفضا وهي لهم نعت وصفة وإنما جاز أن يكون «غير» نعتا «للذين»، و«الذين» معرفة وغير نكرة لأن «الذين» بصلتها ليست بالمعرفة المؤقتة كالأسماء التي هي أمارات بين الناس، مثل: زيد وعمرو، وما أشبه ذلك وإنما هي كالنكرات المجهولات، مثل: الرجل والبعير، وما أشبه ذلك فلما كان «الذين» كذلك صفتها، وكانت غير مضافة إلى مجهول من الأسماء نظير «الذين» في أنه معرفة غير مؤقتة كما «الذين» معرفة غير مؤقتة، جاز من أجل ذلك أن يكون: { غير المغضوب عليهم } نعتا ل { الذين أنعمت عليهم } كما يقال: لا أجلس إلا إلى العالم غير الجاهل، يراد: لا أجلس إلا إلى من يعلم، لا إلى من يجهل. ولو كان الذين أنعمت عليهم معرفة مؤقتة كان غير جائز أن يكون { غير المغضوب عليهم } لها نعتا، وذلك أنه خطأ في كلام العرب إذا وصفت معرفة مؤقتة بنكرة أن تلزم نعتها النكرة إعراب المعرفة المنعوت بها، إلا على نية تكرير ما أعرب المنعوت بها. خطأ في كلامهم أن يقال: مررت بعبد الله غير العالم، فتخفض «غير» إلا على نية تكرير الباء التي أعربت عبد الله، فكان معنى ذلك لو قيل كذلك: مررت بعبد الله، مررت بغير العالم. فهذا أحد وجهي الخفض في: { غير المغضوب عليهم }. والوجه الآخر من وجهي الخفض فيها أن يكون «الذين» بمعنى المعرفة المؤقتة.
وإذا وجه إلى ذلك، كانت غير مخفوضة بنية تكرير الصراط الذي خفض الذين عليها، فكأنك قلت: صراط الذين أنعمت عليهم صراط غير المغضوب عليهم. وهذان التأويلان في غير المغضوب عليهم، وإن اختلفا باختلاف معربيهما، فإنهما يتقارب معناهما من أجل أن من أنعم الله عليه فهداه لدينه الحق فقد سلم من غضب ربه ونجا من الضلال في دينه، فسواء إذ كان سامع قوله: { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } غير جائز أن يرتاب مع سماعه ذلك من تاليه في أن الذين أنعم الله عليهم بالهداية للصراط، غير غاضب ربهم عليهم مع النعمة التي قد عظمت منته بها عليهم في دينهم، ولا أن يكونوا ضلالا وقد هداهم للحق ربهم، إذ كان مستحيلا في فطرهم اجتماع الرضا من الله جل ثناؤه عن شخص والغضب عليه في حال واحدة واجتماع الهدى والضلال له في وقت واحد وصف القوم مع وصف الله إياهم بما وصفهم به من توفيقه إياهم وهدايته لهم وإنعامه عليهم بما أنعم الله به عليهم في دينهم بأنهم غير مغضوب عليهم ولا هم ضالون، أم لم يوصفوا بذلك لأن الصفة الظاهرة التي وصفوا بها قد أنبأت عنهم أنهم كذلك وإن لم يصرح وصفهم به. هذا إذا وجهنا «غير» إلى أنها مخفوضة على نية تكرير الصراط الخافض الذين، ولم نجعل غير المغضوب عليهم ولا الضالين من صفة الذين أنعمت عليهم بل إذا جعلناهم غيرهم وإن كان الفريقان لا شك منعما عليهما في أديانهما. فأما إذا وجهنا: { غير المغضوب عليهم ولا الضآلين } إلى أنها من نعت الذين أنعمت عليهم فلا حاجة بسامعه إلا الاستدلال، إذ كان الصريح من معناه قد أغنى عن الدليل، وقد يجوز نصب «غير» في غير المغضوب عليهم وإن كنت للقراءة بها كارها لشذوذها عن قراءة القراء. وإن ما شذ من القراءات عما جاءت به الأمة نقلا ظاهرا مستفيضا، فرأي للحق مخالف وعن سبيل الله وسبيل رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل المسلمين متجانف، وإن كان له لو كانت القراءة جائزة به في الصواب مخرج. وتأويل وجه صوابه إذا نصبت: أن يوجه إلى أن يكون صفة للهاء والميم اللتين في «عليهم» العائدة على «الذين»، لأنها وإن كانت مخفوضة ب«على»، فهي في محل نصب بقوله : «أنعمت». فكأن تأويل الكلام إذا نصبت «غير» التي مع «المغضوب عليهم»: صراط الذين هديتهم إنعاما منك عليهم غير مغضوب عليهم، أي لا مغضوبا عليهم ولا ضالين. فيكون النصب في ذلك حينئذ كالنصب في «غير» في قولك: مررت بعبد الله غير الكريم ولا الرشيد، فتقطع غير الكريم من عبد الله، إذ كان عبد الله معرفة مؤقتة وغير الكريم نكرة مجهولة.
وقد كان بعض نحويي البصريين يزعم أن قراءة من نصب «غير» في غير المغضوب عليهم على وجه استثناء غير المغضوب عليهم من معاني صفة الذين أنعمت عليهم، كأنه كان يرى أن معنى الذين قرءوا ذلك نصبا: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم إلا المغضوب عليهم الذين لم تنعم عليهم في أديانهم ولم تهدهم للحق، فلا تجعلنا منهم كما قال نابغة بني ذبيان:
অজানা পৃষ্ঠা