قيل له: فذلك من قبل أنه لو أشبهها لكان حكمه حكمها في الحدث، ولو أشبهها لم يخل أن يشبهها من كل الجهات أو من بعضها، فلو أشبهها من كل الجهات كان محدثا مثلها، ولو أشبهها من بعض الجهات كان محدثا من حيث أشبهها، فلما استحال أن يكون المحدث قديما دل ذلك على أن الخالق لا يشبه بالمخلوق المحدث من جهة من الجهات، وقد قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء}، {ولم يكن له كفوا أحد}.
مسألة: [في قول الثنوية]
وأما ما ذكرت من قول الثنوية:
فإن قال قائل: ما تنكر أن يكون العالم من أصلين قديمين: أحدهما نور، والآخر ظلمة؟
قيل له: أنكرنا ذلك من قبل أن لا يخلو الأمر أن يكونا متباينين أو متمازجين، فأيهما كان فقد صح بما يثبت لهما الحدث، والحد، والنهاية.
وقد دللنا أن الأجسام محدثة، فمتى صح أنهما جسمان فقد ثبت أنهما محدثان، والمحدث مصنوع وله صانع.
ووجه آخر: لا يجوز أن يكونا متباينين ثم يصح امتزاجهما أبدا؛ لأنهما عندهم، أحدهما نور والآخر ظلمة، وهما ضدان لا يزدادان إلا تباعدا، ولو كانا متباينين -على ما قالوا- ثم امتزجا لم يخل أن يكون التباين هما أو غيرهما، وكذلك الامتزاج، وقد ثبت أصل ثالث وفسد قولهم.
فإن قال: التباين والامتزاج /6/ غيرهما وثبت أصلا ثالثا.
قيل له: فقد تغير التباين والامتزاج، وإذا تغير فهو محدث، وهما محدثان، فقد ثبت أنهما محدثان، والقديم لا يتغير كالمحدثات، وقد أكذبهم الله بقوله تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}، فدل أنه خالق الظلمة والنور، وقد بطل ما قالوا وكذبهم الله، وبين في كتابه أن دعواهم باطل ممن قال بذلك من الثنوية وعباد النيران.
পৃষ্ঠা ৮