وإنما (¬1) يميزون بين النبي والمتنبي لا يجوز أن يرد السمع بخلافه، ألا ترى أنا إذا قلنا: علة المتحرك الحركة. فلا يجوز أن يتحرك إلا بحركة، ولا يجوز أن يرد السمع بخلافه، فيقول أثبتوه متحركا بغير حركة، وكذلك إذا قلنا السكون علة الساكن، ولا ساكن إلا بسكون، ولا يجوز أن يرد خبر فيقول: أثبتوه ساكنا بغير سكون، فهذه علل لا يجوز انقلابها، ولا يجوز أن يأتي السمع بخلافها. وأما القائسون في باب الحلال والحرام فجائز عندهم، أن يرد السمع بخلافه؛ فإذا (¬2) كان ذلك يجوز (¬3) كان علة طريق القائسين غير علة ما لا يجوز انقلابه؛ لأن العلة التي يوجبها العقل لا يختلف فيها العقلاء، ألا ترى إنهم قد اختلفوا في العلل التي قد أثبتوها أصولا لهم وتأويلا يرجعون إليه، ومعقلا يفزعون إليه في استنباط الحكم عند الحوادث النازلة بهم، التي لا نص عليها باسمها. فقال الشافعي: علة الربا في المأكول دون غيره، وخالفه عاقل مثله وهو مالك بن أنس فقال: علة الربا الاقتيات والادخار، وخالفهما عاقل مثلهما، وهو أبو حنيفة فقال: علة الربا الكيل والوزن، فهذا الاختلاف منهم، يدل على ما يوجبه العقل على ضربين، فضرب متعلق بالعلم الحقيقي الذي لا يجوز عليه الانقلاب، وضرب متعلق بعلم الظاهر الذي لا يكون معلومه معتقدا، (¬4) وقد يجوز أن يرد ما يوجب اعتقاد خلافه نحو قول الله تعالى: ? { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } (¬5) ، وقوله: { ?فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } (¬6) ونحو ذلك والله أعلم.
¬__________
(¬1) في (ج) وما.
(¬2) في (ج) وإذا.
(¬3) في (ج) مجوزا.
(¬4) من (ج) و (أ) منعقدا.
(¬5) النور: 33.
(¬6) الممتحنة: 10.
পৃষ্ঠা ৭১