ثم إن الله تبارك وتعالى إنما جعل الخطاب للفائدة والإفهام، وليعلم المأمور غرض الآمر ومراد المخاطب، والحكيم لا يخاطب بما لا فائدة فيه، ولا يأمر بما لا يفهم عنه، ألا ترى إنه غير جائز أن يأمر أحدا بالقعود، وهو يريد من القيام، لأنه إنما يأمر لتمثيل (¬1) أمره، فإذا لم يبين مراده، لم يكن أن يمتثل أمره، ولم يتهيأ أن يعتقد طاعته فيما كلفه إياه. وإذا كان ذلك كذلك، لم يجز أن يتأخر البيان عن وقت الخطاب، وتمام فصل الكلام أن (¬2) تأخيره يوجب اعتقاد غير ما ظهر؛ لأنه إذا خاطب بظاهر الإطلاق والعموم، وهو يريد التقييد والخصوص، ثم (¬3) لم يقرنه بدلالة تبين عنه، كأن قد ألزم عباده أن يعتقدوا خلاف ما أراده منهم، ويتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فالخطاب إذا ورد فللعموم صيغة، كما أن للخصوص صيغة، وللأمر صيغة، وللنهي صيغة، ولكل وجه من وجوه الخطاب صيغة يعرف بها حكمه، ويدل المخاطب به على معناه، ولن يجهل ذلك أو شيئا منه أحد من أهل اللسان والمعرفة به من أهل اللغة والبيان، (غير أن العرب لسعة لغتها وكثرة معاني كلامها تعبر عن الخصوص بلفظ العموم وعن العموم بلفظ الخصوص)، (¬4) وعن الحقيقة بلفظ المجاز وعن المجاز بلفظ الحقيقة.
¬__________
(¬1) في (ج) ليمتثل.
(¬2) في (ج) لأن.
(¬3) في (ج) وهو ثم.
(¬4) ما بين قوسين لا يوجد في (أ) وهو يوجد في (ج).
পৃষ্ঠা ৪৪