بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، الذين نزل القرآن بألسنتهم، واشتقت العربية من ألفاظهم، واتخذت الشواهد في معاني القرآن وغريب الحديث من أشعارهم، وأسندت الحكمة والآداب إليهم، تأليف أبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي. وذلك أنه لما لم يوجد أحدٌ من الشعراء بعدهم إلا مضطرًا إلى الاختلاس من محاسن ألفاظهم، وهم إذ ذاك مكتفون عن سواهم بمعرفتهم، وبعد فهم فحول الشعر الذين خاضوا بحره، وبعد فيه شأوهم، واتخذوا له ديوانًا كثرت فيه الفوائد عنهم، ولولا أن الكلام مشتركٌ، لكانوا قد حازوه دون غيرهم، فأخذنا من أشعارهم إذ كانوا هم الأصل، غررًا هي العيون من أشعارهم، وزمام ديوانهم. ونحن ذاكرون في كتابنا هذا ما جاءت به الأخبار المنقولة، والأشعار المحفوظة عنهم، وما وافق القرآن من ألفاظهم، وما روي عن رسول الله، ﷺ، في الشعر والشعراء، وما جاء عن أصحابه والتابعين من بعدهم، وما وصف به كل واحد منهم، وأول من قال الشعر، وما حفظ عن الجن، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
اللفظ المختلف ومجاز المعاني
فمن ذلك ما حدثنا به المفضل بن محمد الضبي يرفعه إلى عبد الله بن عباس، ﵄، قال: قدم نافع بن الأزرق الحروري إلى ابن عباس يسأله عن القرآن، فقال ابن عباس: يا نافع! القرآن كلام الله ﷿؛ خاطب به العرب بلفظها، على لسان أفصحها؛ فمن زعم أن القرآن غير العربية فقد افترى، قال الله تعالى: " قرآنًا عربيًا
1 / 11
غير ذي عوج " وقال تعالى: " بلسانٍ عربيٍ مبين " وقد علمنا أن اللسان لسان محمد، ﷺ، وقال تعالى: " وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه ليبين لهم " وقد علمنا أن العجم ليسوا قومه، وأن قومه هذا الحي من العرب، وكذلك أنزل التوراة على موسى، ﵇، بلسان قومه بني إسرائيل؛ إذ كانت لسانهم الأعجمية، وكذلك أنزل الإنجيل على عيسى، ﵇، لا يشاكل لفظه لفظ التوراة، لاختلاف لسان قوم موسى وقوم عيسى.
وقد يقارب اللفظ اللفظ أو يوافقه، وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها، فمن ذلك الإستبرق بالعربية، وهو بالفارسية الإستبره، وهو الغليظ من الديباج. والفرند، وهو بالفارسية الفكرند. وكور وهو بالعربية حور. وسجين وهو موافق اللغتين جميعًا، وهو الشديد. وقد يداني الشيء الشيء وليس من جنسه، ولا ينسب إليه، ليعلم العامة قرب ما بينهما. وفي القرآن مثل ما في كلام العرب من اللفظ المختلف، ومجاز المعاني، فمن ذلك قول امرىء القيس بن حجر الكندي: الطويل
قِفا فاسألا الأطلالَ عن أُمّ مالكِ ... وهل تُخبِرُ الأطلالُ غيرَ التّهالُكِ
فقد علم أن الأطلال لا تجيب، إذا سئلت، وإنما معناه قفا فاسألا أهل الأطلال،
1 / 12
وقال الله تعالى: " واسأل القرية التي كنا فيها " يعني أهل القرية، وقال الأنصاري: المنسرح
نَحنُ بما عندَنا وأنتَ بما ... عندَك راضٍ، والرّأيُ مُختلفُ
أراد نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ، فكف عن خبر الأول إذ كان في الآخر دليلٌ على معناه، وقال الله تعالى: " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين " فكف عن خبر الأول لعلم المخاطب بأن الأول داخلٌ فيما دخل فيه الآخر من المعنى. وقال شداد بن معاوية العبسي أبو عنترة الوافر:
وَمَنْ يَكُ سَائِلًا عَنّي، فإنّي ... وَجِروَةَ لا تَرودُ ولا تُعار
ترك خبر نفسه وجعل الخبر لجروة، وقال الله ﷿: " ومن يشاق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب " فكف عن خبر الرسول. وقال الربيع بن زياد العبسي: الطويل
فإن طِبْتُمُ نَفسًا بمَقتَلِ مالكٍ، ... فنَفسي، لَعمري، لا تَطيبُ بذلكا
1 / 13
فأوقع لفظ الجمع على الواحد. وقال الله تعالى: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه " وقال النابغة: البسيط
قالت: ألا لَيتما هذا الحمامُ لَنا ... إلى حَمامَتِنا أو نِصفُهُ، فَقَدِ
فأدخل ما عاريةً لاتصال الكلام، وهي زائدةٌ، والمعنى: ألا ليت هذا الحمام لنا، وقال الله تعالى: " فبما رحمةٍ من الله لنت لهم " وقال الله تعالى: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما بعوضةً فما فوقها " فما في ذلك كله صلةٌ غير واقعةٍ لا أصل لها. وقال الشماخ بن ضرار التغلبي: الوافر
أَعايِشَ ما لِقَومِكِ لا أراهمْ ... يُضيعُونَ الهِجانَ مَعَ المُضيعِ
لا ههنا زائدة، والمعنى: ما لقومك أراهم. وقال تعالى: " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " لا ههنا زائدة، والمعنى: غير المغضوب عليهم والضالين.
وقال عمرو بن معد يكرب الزبيدي: الوافر
وكلُّ أَخٍ مُفارِقُهُ أخُوهُ، ... لَعمرُ أبيكَ، إلاّ الفَرقدانِ
1 / 14
فجعل إلا بدلًا من الواو؛ والمعنى: والفرقدان كذلك، وقال الله تعالى: " الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم " إلا ههنا لا أصل لها، والمعنى: واللمم، وقال تعالى: " فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس " والمعنى: وقوم يونس، وقال خفاف بن ندبة السلمي: الطويل
فإنْ تَكُ خَيلي قد أُصِيبَ صَميمُها ... فعَمدًا على عَيني تَيمّمْتُ مالِكَا
أقُولُ لَهُ، والرّمحُ يأطِرُ مَتنَهُ: ... تأمّل خِفافًا! إنّني أنا ذلِكَا
معناه: تأملني فأنا هو. وقال الله تعالى: " ألم. ذلك الكتاب " يعني هو هذا الكتاب، والعرب تخاطب الشاهد مخاطبة الغائب. قال امرؤ القيس بن حجر في موافقة اللفظ: مجزوء الكامل
وَتَبَرّجَتْ لتَرُوعَنا، ... فَوَجدتُ نَفسي لم تُرَعْ
وقال تعالى: " غير متبرجاتٍ بزينةٍ " والتبرج: هو أن تبدي المرأة زينتها، وقال امرؤ القيس بن حجر: الوافر
وماءٍ آسِنٍ برَكَتْ علَيهِ، ... كأنّ مُناخَها مُلقى لجامِ
الآسن: المتغير، قال تعالى: " فيها أنهارٌ من ماءٍ غي آسن " أي غير متغير، وقال امرؤ القيس بن حجب: الطويل
ألا زَعمتْ بَسباسةُ اليومَ أنّني ... كَبِرتُ، وأنْ لا يُحسن السِّرّ أمثالي
1 / 15
السر: النكاح، قال الله تعالى: " ولكن لا تواعدوهن سرًا " وقال امرؤ القيس: الوافر
أرانا مُوضِعينَ لأمرِ غَيبٍ، ... ونُسحَرُ بالطّعامِ وبالشّرابِ
وقال تعالى: " ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة " والإيضاع ضرب من السير. وقال امرؤ القيس: الطويل
خَفَاهُنّ من أَنْفَاقِهِنّ، كَأنّمَا ... خَفَاهُنّ ودقٌ من عَشيٍ مُجَلِّبِ
خفاهن: أظهرهن، قال الله تعالى: " إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها " أي أظهرها، وقال زهير بن أبي سلمى: البسيط
لئن حَلَلْتَ بجَوٍ في بَني أسَدٍ، ... في دينِ عمرٍو، وحالتْ بيننا فَدَكُ
في دين عمرو: يعني في طاعة عمرو، وقال الله تعالى: " ولا يدينون دين الحق " أي لا يطيعون. وقال زهير: البسيط
مُكَلَّلٍ بأُصولِ النّبتِ، تَنسِجُهُ ... ريحُ الجَنوبِ، لِضَاحي مائِهِ حُبُكُ
1 / 16
الحبك: الطرائق في الماء، قال الله تعالى: " والسماء ذات الحبك " أي الطرائق. وقال زهير أيضًا: الطويل
بأرضِ فَلاةٍ لا يُسَدّ وَصِيدُهَا، ... عليّ، ومَعروفي بها غيرُ مُنكَرِ
والوصيد: الباب، قال الله جل وعلا: " وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد " أي بالباب، وقال: " إنها عليهم مؤصدةٌ " أي مغلقة. وقال زهير أيضًا: الطويل
ويُنغِضُ لي يوم الفِجارِ، وقد رأى ... خيولًا عَليها، كالأسودِ، ضَوارِي
ينغض: يرفع رأسه، قال الله تعالى: " فسينغضون إليك رؤوسهم " أي يرفعونها ويحركونها بالاستهزاء. وقال النابغة للنعمان بن المنذر: البسيط
إلاّ سلَيْمَانَ، إذ قالَ المَليكُ لَهُ: ... قُم في البرِيّةِ، فاحدُدْها عن الفَنَدِ
الفند الكذب، قال الله تعالى " لولا أن تفندون " أي تكذبون. وقال النابغة أيضًا: البسيط
تَلُوثُ، بعد افتضالِ البُرْدِ، مِئزَرَها ... لوثًا على مثلِ دِعصِ الرّملةِ الهاري
الهاري: المتهدم من الرمل، قال الله تعالى: " على شفا جرفٍ هارٍ " أي متهدم.
1 / 17
وقال أعشى قيس، واسمه ميمون بن قيس: المتقارب
نحرتُ لهم مَوهِنًا ناقَتي، ... وعامِرُنا مُدلهِمٌّ غَطِشْ
يعني: وقد هدأت العيون، وغطش مظلم، كقوله تعالى: " وأغطش ليلها "، وقال الأعشى: الخفيف:
فَرعُ نَبعٍ يَهتَزّ في غُصُنِ المَجْ ... دِ، غزيرُ النّدى، شَديِدُ المِحَالِ
المحال: القوة، كقوله تعالى: " وهو شديد المحال " وقال الأعشى أيضًا: البسيط
تَقولُ بنيّ، وقد قَرّبتُ مُرتَحِلًا: ... يا رَبّ جَنّبْ أبي الأوصابَ والوَجَعا
علَيكِ مثلُ الذي صَلّيتِ، فاغتَمضي ... نَومًا، فإنّ لجَنبِ الحَيّ مُضطجعَا
الصلاة ههنا الدعاء، قال تعالى: " وصل عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم ". وقال الأعشى أيضًا الوافر
أَتَذكُرُ، بَعدَ أُمّتِكَ، النَّوارَا، ... وقد قُنّعتَ من شَيبٍ عِذارَا
الأمة: الحين، قال الله جل ذكره: " وادكر بعد أمةٍ "، أي بعد حين. وقال الأعشى أيضًا: الرمل
وأتاني صاحبٌ ذو حَاجَةٍ، ... واجبُ الحَقّ، قريبٌ رَحِمُهْ
الرحم: القرابة، وهو قوله تعالى: " وأقرب رحمًا ". وقال الأعشى: المتقارب
وبَيضاءَ كالنهِّيِ مَوضونَة، ... لها قَوْنَسٌ مثلُ جيبِ البَدنْ
1 / 18
وقال تعالى: " على سررٍ موضونةٍ "، أي مشتبكة. وقال الأعشى: البسيط
كأَنّ مِشْيَتَها مِنْ بَيْتِ جارَتِها ... مَوْرُ السَّحَابةِ لا رَيثٌ ولا عَجَلُ
وقال الله تعالى: " يوم تمور السماء مورًا "، والمور الاستدارة والتحرك. وقال الأعشى: الطويل:
يَقولُ بِهَا ذُو مِرّةِ القومِ منهُمُ ... لِصَاحبِهِ إذْ خافَ منها المَهالِكَا
المرة: الحيلة، ويقال القوة، قال تعالى: " ذو مرةٍ فاستوى ". وقال الأعشى: الرمل
ساقَ شِعري لهمُ قافيَةً، ... وعلَيهِم صارَ شِعري دَمدَمه
دمدمة أي تدميرًا، كقوله تعالى: " فدمدم عليهم ربهم بذنبهم "، أي دمر. وقال الأعشى: الكامل
أم غابَ رَبُّكَ فاعترَتْكَ خَصَاصَةٌ ... فلَعَلّ رَبّكَ أنْ يؤوبَ مُؤيَّدا
الرب: السيد، قال الله تعالى: " ارجع إلى ربك " أي سيدك. وقال الأعشى أيضًا: السريع
أَقْنِ حَياءً أنتَ ضَيّعْتَهُ، ... مالكَ بَعدَ الجَهلِ من عاذِرِ
أقن: أي أرض، قال الله تعالى: " وأنه هو أغنى وأقنى " أي أرضى.
1 / 19
وقال الأعشى: السريع
لَيَأتِيَنْهُ مَنْطِقٌ قاذِعٌ ... مُستَوسقٌ للمَسمَعِ الآثِرِ
الآثر: الراوية، قال الله تعالى: " سحرٌ يؤثر "، أي يروى. وقال الأعشى: الطويل
بكأسٍ كعينِ الدّيكِ باكَرْتُ خِدرَها ... بفتيانِ صِدقٍ، والنّواقيسُ تُضرَبُ
الكأس: الخمر، وهو قوله تعالى: " بكأسٍ من معين ". وقال الأعشى: الكامل.
سُبُطًا تَبَارَى في الأعنّةِ بَينَها ... حتى تَفيءَ عَشيّةً أنفالُها
الأنفال: الغنائم، وهو قوله تعالى: " يسألونك عن الأنفال " وقال الأعشى: الكامل
وأراكَ تُحبَرُ إن دَنَتْ لَكَ دارُها، ... ويَعُودُ نَفسَك، إن نأتْكَ، سِقَامُها
تحبر: تسر وتكرم، وقال الله تعالى: " في روضةٍ يحبرون ". وقال الأعشى يذكر النعمان: المتقارب
وخَرّتْ تَميمٌ لأذقانِها، ... سجودًا لذي التاجِ في المَعمَعة
الأذقان: الوجوه، كقوله تعالى: " ويخرون للأذقان يبكون ".
ثم المثل يقول الأعشى
1 / 20
وقال لبيد ابن ربيعة العامري: المنسرح
يا عينُ هَلاّ بكَيتِ أربدَ إذْ ... قُمنا وقامَ الخُصومُ في كَبَدِ
يعني: في شدة، قال الله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ " وقال لبيد: الرمل
إنّ تَقوَى رَبّنا خَيرُ نَفَلْ، ... وبإذنِ اللَّهِ رَيثي والعَجَلْ
النفل: الغنيمة، وهو ههنا ما يعطى المتقي من ثواب الله في الآخرة. وقال لبيد أيضًا: الطويل
وما النّاسُ لاّ عاملانِ، فعاملٌ ... يُتَبِّرُ ما يَبني، وآخَرُ رافِعُ
يتبر أي ينقص، قال الله تعالى: " متبرٌ ما هم فيه ". وقال لبيد: الطويل
نَحُلّ بلادًا، كلّها حُلَّ قَبلَها، ... ونَرجو الفَلاحَ بعدَ عادٍ وحِمْيَراٍ
الفلاح: البقاء، كقوله تعالى: " أولئك هم المفلحون "، أي الباقون، وقال عمرو بن كلثوم: الوافر
ترَكنا الخَيلَ عاكفَةً عَلَيهِ، ... مُقَلَّدَةً أعنّتَها صُفُونَا
العاكف: المقيم، قال الله تعالى: " سواء العاكف فيه والباد "، والصافن من الخيل هو الذي يرفع إحدى رجليه، ويضع طرف سنبكه على الأرض، قال الله تعالى: " إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد "
1 / 21
وقال طرفة بن العبد البكري: الرمل
لا يُقالُ الفُحشُ في ناديهِمُ، ... لا وَلا يَبخَلُ منهُم مَن يُسَلْ
النادي: المجلس، وهو قوله تعالى: " وتأتون في ناديكم المنكر "، وقال طرفة أيضًا: الطويل
جَماليّةٌ وجناءُ حَرْفٌ، تَخالُها ... بأنساعِها والرّحلِ صرحًا مُمَرَّدَا
الصرح؛ القصر، والممرد: ما عملته مردة الجن، وهو قوله تعالى: " صرحٌ ممردٌ من قوارير "، وقال طرفة أيضًا: الرمل
وهمُ الحُكّامُ أربابُ النّدى، ... وسَراةُ النّاسِ في الأمرِ الشّجرِ
الشجر: الأمر الذي يختلف فيه، كقوله تعالى: " حتى يحكموك فيما شجر بينهم ". وقال طرفة يخاطب النعمان: الطويل
أبا مُنذرٍ أفنَيتَ، فاستَبقِ بَعضَنا، ... حَنانَيك! بعضُ الشرّ أهوَنُ من بعضِ
حنانيك: يعني رحمتك وهو قوله تعالى: " وحنانًا من لدنا "، أي رحمة. وقال عبيد بن الأبرص: البسيط
وقهوةٍ كنَجيعِ الجوفِ صافيَةٍ ... في بَيتِ مُنهَمِرِ الكَفّينِ مِفضالِ
1 / 22
المنهمر: السائل، وهو قوله تعالى: " بماءٍ منهمر " أي سائل. وقال عبيد أيضًا: البسيط
هذا، وحربٍ عَوانٍ قد نَهَضتُ لها ... حتى شَبَبتُ نَواحيها بإشعالِ
العوان: المتكاملة التامة السن، قال الله تعالى: " عوانٌ بين ذلك "، وقال عبيد أيضًا: البسيط
تحتي مُسَوَّمَةٌ قَوداءُ عِجْلِزَةٌ ... كالسّهمِ أرسَلَه من كَفّهِ الغالي
مسومة: يعني معلمة، قال الله تعالى: " والخيل المسومة "، يعني المعلمة. وقال عنترة بن عمرو: الكامل
وحَليلِ غانيةٍ ترَكتُ مُجَدَّلًا ... تَمكُو فَريصَتُهُ كشدْقِ الأعلَمِ
تمكو: تصفر، وهو كقوله تعالى: " إلا مكاءً وتصديةً "، فالمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق. وقال عدي بن زيد: السريع
مُتّكِئًا تُقرَعُ أبوابُهُ، ... يَسعَى علَيهِ العبدُ بالكُوبِ
الكوب: هو الكوز الواسع الفم الذي لا علاقة له، قال الله تعالى: " بأكوابٍ وأباريق "
1 / 23
وقال عدي بن زيد: البسيط
عَفُّ المكاسبِ لا تُكدَآ حُشاشَتُه ... كالبَحرِ يُلحِقُ بالتّيّارِ أنهارَا
الإكداء: القلة والانقطاع، وهو قوله ﷿: " وأعطى قليلًا وأكدى ". وقال أمية بن أبي الصلت: الوافر
وفيها لحمُ ساهرَةٍ وبحرٍ، ... وما فاهُوا به أبدًا مُقيمُ
الساهرة: الفلاة، قال الله ﷿: " فإذا هم بالساهرة ". وقال أمية بن أبي الصلت: الكامل
كيفَ الجحودُ، وإنّما خُلِق الفتى ... مِنْ طِينِ صَلصالٍ لَه فَخّارِ
الصلصال: ما تفرق من الحمأة فتكون له صلصة إذا وطيء وحرك، وهو قوله ﷿: " خلق الإنسان من صلصالٍ كالفخار ". وقال أمية بن أبي الصلت: الخفيف
رَبِّ كُلًا حتَمتَهُ وارِدُ النّا ... ر كِتابًا حتَمتَهُ مَقضِيّا
الحتم: الواجب، قال الله تعالى: " حتمًا مقضيًا ". وقال أمية أيضًا: الخفيف
رَبِّ لا تحرِمَنّني جَنّةَ الخُل ... دِ، وكن رَبِّ بي رؤوفًا حفيّا
الحفي: اللطيف، وهو قوله تعالى: " إنه كان بي حفيًا "، أي لطيفًا.
1 / 24
وقال أمية بن أبي الصت: الوافر
من اللاّماتِ لَستُ لها بأهلٍ، ... ولكنّ المُسيءَ هوَ المَليمُ
المليم: المذنب، وهو قوله تعالى: " فالتقمه الحوت وهو مليمٌ "، أي مذنب. وقال أمية بن أبي الصلت: المتقارب
لَقيتَ المَهالِكَ في حَربِنا، ... وبَعدَ المَوالكِ لاقَيْتَ غيّا
غي: وادٍ في النار، قال الله تعالى: " فسوف يلقون غيًا ". وقال أمية ابن أبي الصلت: الرمل
نَفَشَتْ فيهِ عِشاءً غنمٌ ... لرعاءٍ، ثمّ بَعدَ العَتَمَه
النفش: الرعي بالليل، قال الله تعالى: " إذ نفشت فيه غنم القوم "، وقال أمية بن أبي الصلت: الطويل
مليكٌ على عرشِ السّماءِ مُهَيِمِنٌ ... لِعزّتهِ تَعنُو الوُجوهُ وتَسجُدُ
العاني: " الذليل الخاضع المهطع المقنع، قال الله تعالى: " وعنت الوجوه للحي القيوم ". والمهيمن: الشهيد، قال الله تعالى: " ومهيمنًا عليه "، أي شهيدًا. وقال بشر بن أبي خازم: المتقارب
ويومُ النِّسارِ ويومُ الفِجا ... رِ كانَا عَذابًا وكانَا غَراما
1 / 25
الغرام: الانتقام، قال الله تعالى: " إن عذابها كان غرامًا "، وقيل ملازمًا، ومنه الغريم، أي الملازم. وقال النمر بن تولب: المتقارب
إذا شاء طالعَ مَسجُورَةً ... ترى تحتَها النّبعَ والسّماسَما
المسجور: المتراكب من الماء، قال الله تعالى: " والبحر المسجور "، أي المتراكب. وقال المرقش: الرمل
وقضَى ثَمّ أبونا آلهُ ... بقتالِ القَومِ والجُودِ مَعَا
قضى: أي أمر أهل بيته، قال الله تعالى: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه "، أي أمر ألا تعبدوا سواه. وقال المتلمس الطويل
وكنّا إذا الجَبّارُ صَعّرَ خَدّهُ، ... أقَمنا له من مَيْلهِ فَتَقَوّمَا
قوله: صعر خده، أي أعرض واختال، قال الله تعالى: " ولا تصعر خدك للناس "، أي لا تمل بوجهك كبرًا وزهوًا. وقال أبو ذؤيب الهذلي: الكامل
وعَلَيهِما مَسرودَتانِ قَضَاهُما ... داودُ أو صَنْعُ السّوابغِ تُبّعُ
قضاهما: أي أحكمهما، قال الله تعالى: " إذا قضى أمرًا "، أي أحكمه،
1 / 26
وقال أبو ذؤيب أيضًا: الطويل
إذا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لم يَرجُ لَسعَها ... وخالفَها في بيتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ
لم يرج: لم يخف، قال الله تعالى: " ما لكم لا ترجون لله وقارًا "، أي لا تخافون. وقال أبو ذؤيب: الوافر
فراغَت، فالتَمَستُ به حَشاها، ... فَخَرَّ كأنّهُ خُوطٌ مَريجُ
المريج: المختلط، قال الله تعالى: " فهم في أمرٍ مريجٍ "، أي مختلط. وقال المتمس: الرمل
أنتَ مَثْبُورٌ غويٌّ مترَفٌ، ... ذو غواياتٍ؛ ومَسرُورٌ بَطِر
المثبور: المفتون، قال الله تعالى: " وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا "، يعني مفتونًا. وقال أبو قيس بن الأسلت. الرمل
رجمُوا بالغَيبِ، كيما يَعلموا ... من عَديدِ القومِن ما لا يُعلَمُ
الرجم: القذف، قال الله تعالى: " رجمًا بالغيب ". وقال أحيحة بن الجلاح: الوافر
وما يَدري الفَقيرُ متى غِناهُ، ... وما يَدري الغنيُّ متى يُعِيلُ
يعيل: أي يفتقر، قال الله تعالى: " وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله ".
1 / 27
وقال حسان بن ثابت الأنصاري: الرمل
إنشُزُوا عَنّا، فأنتم مَعشَرٌ ... آلُ رِجسٍ وفجورٍ وأشَر
انشزوا: أي انهضوا، قال الله تعالى: " وإذا قيل انشزوا فانشزوا ". وقال ابن أحمر: الكامل
وتَغَيّرَ القمرُ المُنيرُ لمَوتِهِ، ... والشّمسُ قد كادتْ عليهِ تأفُلُ
تأفل: تغيب، قال الله تعالى: " فلما أفلت ". وقال الشماخ بن ضرار: الوافر
ذعرتُ بهِ القطا، ونفيتُ عنهُ ... مَقامَ الذّئبِ كالرّجلِ اللّعينِ
اللعين: المطرود، قال الله تعالى: " ملعونين أينما ثقفوا أخذوا "، أي مطرودين. وقال المنخل: الطويل
ودَيمومَةٍ قَفرٍ يَحارُ بها القَطا، ... سريتُ بها، والنّومُ لي غيرُ رائنِ
رائن: مغطٍّ، قال الله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون "، وقال نابغة بن جعدة: المتقارب
يُضيءُ كضَوءِ سِراجِ السّلي ... طِ لم يَجعَلِ اللَّهُ فيه نُحاسا
النحاس: الدخان، قال الله ﷿: " يرسل عليكما شواظٌ من نارٍ ونحاسٍ فلا تنتصران ".
1 / 28
وقال علي بن أبي طالب، ﵁: المتقارب
فبارَ أبو حَكَمٍ في الوَغَى، ... هناكَ، وأُسرَته الأرذلُونْ
البوار: الهلاك، قال الله ﷿: " وأحلوا قومهم دار البوار ". وقال أبو بكر، ﵁: الرمل
عَزّرُوا الأمْلاَكَ في دَهرِهُمُ، ... وأطاعوا كلَّ كَذّابٍ أثِمْ
عزروا: أي عظموا قال الله تعالى: " وعزروه "، أي عظموه. وقال عمر، ﵁: الرمل
يَكلأُ الخلقَ جَميعًا، إنّهُ ... كاليءُ الخلقِ، ورَزّاقُ الأُمَم
الكاليء: الحافظ، قال الله تعالى: " قل من يكلؤكم ". وقال عثمان ابن عفان، ﵁: الطويل
وأعلَمُ أنّ اللَّهَ لَيسَ كصنعِهِ ... صَنيعٌ ولا يخفَى على اللَّهِ مُلْحِدُ
الملحد: المائل، قال الله ﷿: " إن الذين يلحدون في آياتنا "، أي يميلون. وقال حمزة بن عبد المطلب، ﵁: الطويل
وزُفّوا إلَينا في الحَديدِ، كأنّهم ... أُسُودُ عَرِينٍ ثَمّ عندَ المَبَارِكِ
الزف: المشي قدمًا، قال الله تعالى: " فأقبلوا إليه يزفون ". وقال العباس، ﵁: الرمل
أنتَ نورٌ من عَزيزٍ راحِمٍ، ... تَقمَعُ الشِّركَ وعُبّادَ الوَثَنْ
نورٌ: أي هدى، قال الله ﷿: " الله نور السموات والأرض "، أي هداها.
1 / 29
وقال الزبير بن العوام، ﵁: الرمل
يَخرُجُ الشَّطْءُ على وَجهِ الثّرَى، ... ومِنَ الأشجار أفنانُ الثّمَر
الشطء: النبت، قال الله تعالى: " كزرعٍ أخرج شطأه ". وقال عثمان بن مظعون، ﵁: الرمل
أهل حوبٍ وعيوبٍ جمةٍ ... ومعراتٍ بكسب المكتسب
المعرة: الإثم، قال الله تعالى: " فتصيبكم منهم معرةٌ ".
والأخبار في هذا لعمري تطول، والشواهد تكثر، غير أنا اقتصرنا من ذلك على معنى ما حكيناه في كتابنا هذا.
أول من قال الشعر
قال محمد: أخبرنا أبو عبد الله المفضل بن عبد الله المحبري قال: سألت أبي عن أول من قال الشعر، فأنشدني هذه الأبيات: الوافر
تَغَيّرَتِ البلادُ، ومَن علَيها، ... فَوَجهُ الأرضِ مُغبَرٌّ قَبِيْحُ
تغيّر كلُّ ذي لونٍ وطَعمٍ، ... وقلّ بَشاشَةَ الوَجهُ الصّبيحُ
بشاشة: منصوب على التمييز، والتقدير: وقل الوجه الصبيح بشاشةً؛ وحذف التنوين لالتقاء الساكنين: التنوين والألف واللام.
1 / 30