জামাল দিন আফঘানি
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
জনগুলি
يحول الفكر إلى تاريخ. والمفكر إلى رحلاته من أجل القضاء على استقلال الفكر وقدرته على التأثير ما دام وليد الظروف، وانطباعات رحالة. ويقيم فكره من سلوكه الشخصي لسهولة رفض الفكر عن طريق الحجة ضد الشخص. بل إن الدهرية التي ارتبطت بأحمد خان عميل الإنجليز أصبحت مجرد غنوصية من تراث الشرق القديم دون أن يكون لها مغزى سياسي. وتتم السخرية من فلسفته في التاريخ، نهوض الأمم ثم سقوطها ثم نهوضها من جديد، ومن محاضرته عن النبوة والصناعة مع أنها من تراث الفلاسفة القدماء خاصة الفارابي وابن سينا. وينضم إلى موقف الخصوم الذين اتهموا الأفغاني بالإلحاد ولإنكاره النبوة وتشبيهها بالصناعة، وقسمته الناس إلى خاصة وعامة، وتقريبه بين النبي والفيلسوف. والباحث تقدمي علماني، لا يرى التقدمية والعلمانية إلا في التراث الغربي دون جذورهما في التراث الفلسفي القديم. (2) السيرة والشخصية
كتابة الأفغاني في ثلاث فقرات لسيرته الذاتية ذات دلالة كبيرة. يذكر فيها تاريخ ميلاده، وهو غير ذي نفع كبير. وعاش نصف عصر أو نصف قرن. ولا يهم التاريخ. إنما الذي يهم الشخصية في عصرها. اضطر إلى مغادرة بلاده الأفغان، ومن ثم يعترف بأنه أفغاني وليس إيرانيا بالرغم من عدم أهمية السلالة البيولوجية في البشر. وترك الهند إلى مصر ثم إلى الآستانة، وكل هذه الرحلات غير مفيدة للناس، مجرد خاطرات. والسجن رياضة في طلب الحق، والنفي سياحة، والقتل شهادة. وهو غير راض عن نفسه لخموله وعدم وصوله إلى مرتبة الشهداء، بل وصل فقط إلى مرتبة السجن والنفي. ومن ثم لم يقم بمهمته الأولى وبالعمل الجليل المناط به مع أنه لم يترك عملا جليلا للنوع الإنساني عامة وللشرقيين خاصة إلا اقتحمه إلى حد الخروج من الاعتدال إلى التهور.
8
لا يهم إذن مسقط رأسه فذلك تصور قومي، ابن هذا القرن ولم يكن في القرن الماضي في العالم الإسلامي. لم تكن هناك حدود قومية بين أفغانستان وإيران. ولكنه ولد بالقرب من كابل، ومسقط رأسه بلاد الأفغان. أقام في الهند وإيران وفي مصر وتركيا ثم في باريس. تعدد المقام والشخصية واحدة، والفكر متصل. هو شرقي في مقابل الغرب، يحمل معه هموم الشرق.
نعمت ونحن مختلفون دارا
ولكن كلنا في الهم شرق
9
وقد كتب محمد المخزومي مقدمة قصيرة عن حياته مما اختبره بنفسه ودون الاعتماد على ما سبق كتابته من آخرين، لا فرق بين حياته وشخصيته، بين فكره وملامحه. كما أبدى جرجي زيدان صاحب الهلال، وكان من محبيه، رغبته في كتابة سيرته الذاتية مع أن العادة كتابتها بعد وفاة صاحبها؛ لذلك أرسلها المخزومي إليه بعد وفاة الأفغاني، ونشر جزء منها في «الهلال». ولما أبدى المخزومي هذه الرغبة إلى جمال الدين قال: «العيان لا يحتاج إلى ترجمان». يكفي ما قاله الآخرون عنه، «سري، سري»، أي متشرد تائه في الأرض. وهي صورته لدى خصومه وحساده بعد إقبال السلطان عبد الحميد عليه.
كان صحيح العقيدة، مؤمنا بالألوهية، شديد التمسك بحكمة الدين. ومع ذلك كان نفورا من التعصب ومن التقليد في المذهب، مجتهدا لدرجة الغرابة والخروج على المألوف في التفسير. كان قوي الذاكرة، سريع الحفظ، بطيء النسيان. يذكر خطابا ارتجله أو مقالا أملاه أو كتابا ألفه منذ سنين. كان قوي الحجة يجذب مخاطبه إليه ويرضخ لبرهانه ولو لم يكن ساطعا. له أسلوبه الخاص في المقدمات التي تتولد عنها مقدمات أخرى بالطبع. يتعذر إقناعه جدلا لأسلوبه الخاص في إبطال الحجة عليه أو التخلص منها دون مكابرة. يعطي خصمه الحق بعد أن يفحمه، ويدله على ما أغفل من حجج وهو حاد الذهن لا يخلو من حدة في المزاج، يحمل من خاطبه على العظائم ويذلل له الصعاب.
وهو عظيم النفس، كبير الهمة، شجاع جريء. يقدم حيث يحجم الناس. ويتكلم حين يسكتون رغبة أو رهبة، سريع بمبادآته الذهنية. كان مهابا أكثر منه محبوبا. وفي نفس الوقت كان متواضعا مع من أقل منه، متكبرا على الملوك والعظماء لحد التجبر. لم يكن مغترا بنفسه، مستخفا بمن يخاطبه بألقاب دولتكم أو سماحتكم أو يمدح فكره وحكمته وخطابته واحتقار الموت. كان غرضه بهذه الصفات الوصول إلى طمأنينة القلب بأنه قال الحق ولم يكتمه. يذكر المسلمين لأنهم العنصر الغالب في الشرق وملة ممالكه؛ فالشرق لفظ يدل على الأمة الإسلامية. أراد إيقاظ الشرقيين وتنبيههم وتقريبهم. وفي نفس الوقت محب لخير البشر، يساوي بينهم جميعا في الحقوق العمومية التي تقوم على الحرية العاقلة.
অজানা পৃষ্ঠা