وامتحان ذلك كما قلت مرارا كثيرة يكون على ضربين. أحدهما أن يمتحن قضاياه فى المرضى، فيوجد لا يخطئ فيها. على أن يكون الطبيب الذى قضى هو المتولى لعلاج المريض كله؛ والآخر أن يمتحن علمه قبل حضور المرضى والعمل، فيوجد عنده العلم بجميع ما قيل فى الطب، ويوجد قد اختار من تلك الأقاويل أفضلها. إلا أن المتولى لهذا الامتحان ينبغى أن يكون عالما بطريق البرهان. ولست أعرف أحدا من الأغنياء فى دهرنا هذا حاذقا بطريق البرهان ماهرا به. وذلك أنه وإن تعلمه، فإنه لا يصبر على أن يروض نفسه فيه حتى يمهره. ونجد أيضا أكثر الأطباء على هذا، وليس نجد خمسة من أهل دهرنا هذا من الأطباء يقدرون أن يقولوا ما أقول فى نفسى، مما لا يقدر أحد أن يدفعه. وهو أنى منذ صباى تعلمت طريق البرهان. ثم أنى لما ابتدأت بتعلم الطب، رفضت اللذات واستخففت بما يتنافس فيه من عرض الدنيا ورفضته، حتى وضعت عن نفسى مؤونة البكور إلى أبواب الناس للركوب معهم من منازلهم، وانتظارهم على أبواب الملوك للانصراف معهم إلى منازلهم ومنادمتهم. ولم أفن دهرى وأشقى نفسى فى هذا التطواف على الناس، الذى يسمونه تسليما. لكنى أشغلت نفسى دهرى كله بأعمال الطب والروية والفكر فيه وسهرت عامة ليلى فى تقليب الكنوز التى خلفها لنا القدماء. فمن قدر أن يقول إنه فعل مثل هذا الذى فعلت، ثم كانت معه طبيعة ذكاء وفهم سريع يمكن معها قبول هذا العلم العظيم، فواجب أن يوثق به قبل أن يجرب قضاياه وفعله فى المرضى. ويقضى عليه بأنه أفضل ممن ليس معه ما وصفنا ولا فعل ما عددنا.
পৃষ্ঠা ১০২