فتثبت فى هذا الموضع خاصة وتفهم عنى ما أضف لك، إن أردت أن تعلم بالحقيقة كيف يمتحن الطبيب الفاضل. أعلم أن تقدمة المعرفة بمنتهى كل واحد من الأمراض وبحرانه ليس هو أمرا ثابتا قائما، كما يظن أكثر المتكهنين الذين يظنون ويقولون: إن هذا المريض أحسن التدبير أو أساء التدبير، فلا بد أن يبرأ فى ساعة كذا من يوم كذا؛ وهذا المريض، كيف كانت حاله، فلا بد أن يموت فى ساعة كذا من يوم كذا. وهذا الطريق من تقديم القول ينبغى أن يؤخذ به المتكهنون. وأما تقدم قول الأطباء فليس هذا طريق امتحانه. وذلك أنه قد يمكن أن يكون الطبيب قد تقدم وقضى بأن المريض يبرأ فى اليوم السابع فى المثل، ويكون المتولى لعلاجه طبيب غيره، فيتطاول به المرض إلى الحادى عشر. وذلك أن ما يفعل بالمريض على غير ما ينبغى بعد قضية الطبيب يؤخر انقضاء مرضه. وذلك يعرض على وجوه كثيرة. فربما هيج ما يكون من ذلك المرض فى غير الوقت الذى ينبغى، فيحرك البحران فى غير وقته ولم يجر أمره على ما ينبغى. وربما كانت الطبيعة محتاجة إلى أن تعان على دفع الشىء المؤذى، ولم تجد من يعينها على ذلك، فتأخر البحران عن وقته؛ وربما لم تكن الطبيعة متهيئة لحركة سريعة للبرء ، ولكنها تعمل فى غلبة المرض قليلا قليلا؛ أو يعمل المرض فى غلبتها قليلا قليلا، فيعرض عند ذلك مما يفعل بالمريض على غير ما ينبغى أن يتأخر البرء، أو يتقدم الموت. وذلك أن تقدمة المعرفة التى تكون منا بأمر بحران الأمراض، متى تكون ليست على جهة التماس معرفتها، تكون على حسب اتفاق ما يتفق وما يعرض من خارج. +لكن متى تكون على قدر حركة الطبيعة لما يظهر لنا منها†. ولذلك قالت القدماء «إن الطبيب خادم الطبيعة.»
وليس ينبغى أن يكون صاحب تقدمة المعرفة غير المتولى للعلاج، أعنى علاج المريض، إذا أردت أن تمتحن قضيته على طريق العدل والإنصاف. ولذلك تسمعنى متى قضيت قضية فقلت فى المثل «إن هذا المرض لا يجاوز الحادى عشر يوما»، ثم استثنيت فقلت «وإنما ينبغى أن يمتحن قولى وتعرف صحته إن كنت أنا المتولى لعلاج المريض وتدبيره.» وذلك أنه قد يمكن أن يتولى غيرى علاجه فيخطئ عليه خطأ كثيرا، فيطول مرضه إلى العشرين يوما. وذلك أن تقدمة المعرفة موصولة بالعلاج، والعلاج موصول بتقدمة المعرفة، وليس ينبغى لأحد أن يقطع أحد الأمرين عن الآخر ثم يمتحن به الطبيب.
পৃষ্ঠা ৭২