مثل قوم حضرتهم من كبار أطباء رومية، فى أول دخلة دخلتها عند فتى محموم وهم يتناظرون فى فصده ويختصمون فى ذلك. فلما أن طال كلامهم قلت لهم «إن خصومتكم فضل. والطبيعة عن قريب ستفجر عرقا ويستفرغ من المنخرين الدم الفاضل فى بدن هذا الفتى.» فلم يلبثوا أن رأوا ذلك عيانا. فبهتوا فى ذلك الوقت ولزموا الصمت. وأكسبنى ذلك من قلوبهم بغضة، ولقبونى البديع القول.
وحضرت مرة أخرى مريضا وقد ظهرت فيه علامات بينة جدا تدل على الرعاف. فلم أكتف بأن أنذرت بالرعاف حتى قلت لهم إنه يكون من الجانب الأيمن. فثلبنى من حضر ذلك من الأطباء، وقالوا «حسبك! ليس بنا حاجة إلى أن تتنبأ لنا أكثر من هذا.» فقلت لهم «بلى وأزيدكم مع ذلك وأنذركم أنكم عن قريب سيكثر اضطرابكم ويشتد وجلكم من الرعاف الحادث، لأنه سيعسر احتباسه. وذلك أنى لست أرى طبيعته تقوى على ضبط المقدار الذى يحتاج إليه من الاستفراغ والوقوف عنده.» فكان الأمر على ما وصفته. ولم يقدروا الأطباء على حبس ذلك الدم، لأنهم لم يعلموا من أين ابتدأت حركته. وقطعته أنا بأهون السعى. فسمانى أولئك الأطباء البديع الفعل.
পৃষ্ঠা ৬২