فأقول: انى ارى انه ينبغى فى كل تعليم ان يبدأ الانسان من اسماء ومعان مألوفة قد اعتادها واقر بها جميع الناس ثم يمر على سير وطريق صناعى حتى يصل الى الاسماء والمعانى التى لا يعرفها المتعلمون. واذا صار الى هذه ايضا شرحها بالقول اولا شرحا بينا ثم نظر: فان كانت اشياء لها اسماء قد سماها بها من كان قبله اخبر بذلك ودل عليه، وان كانت اشياء لم تضع لها الاوائل اسماء التمس هو ان يضع لها اسماء وسلك فى وضعه لتلك الاسماء ايضا المسلك والطريق الصناعى. وقد ذكرت انا هذا المسلك والطريق الصناعى مرارا كثيرة فى غير هذا الكتاب وسأذكره ايضا ههنا اذا امعنت فى القول. فاما من جعل مبدأ هذا التعليم من اسماء والقاب تخصه ولم يلتفت الى الاسماء والالقاب التى تعمه وسائر الناس او حفظ الاسماء والالقاب العامية لكنه فيما بعد المبدأ انتقل عنها الى اسماء لا تعرف والتمس ان يعلم الناس الصناعة من تفسيره وشرحه لتلك الاسماء والالقاب التى لا تعرف ففعله ما يفعل من ذلك فعل قوم يخطئون خطأ عظيما جدا. وقد بينت فى كتاب البرهان مبلغ رداءة فعل من يجعل مبدأ كلامه من تعليم يريد به الناس كافة من اسماء لا يعرفها بتة المتعلمون ولا هى مما يجتمع عليه ويقر به جميع الناس. واما الحال فيمن جعل مبدأه من هذه الاشياء ثم ترك نفس الامور واخذ فى تعليم الناس ما يريد ان يعلمهم اياه بتفسير الاسماء وما تؤدى اليه من مقدار الرداءة فمن ههنا خاصة يمكن الانسان تعرفها.
اقول ان الاسماء تضطر من اقبل قبلها ومال اليها الى التذلل والتعبد لها وتمنعه من ان يطلب لنسفه طريقا غيرها يصل به الى استخراج الاشياء ويؤكد فى نفسه الصناعة بان مقدار عدد الامور فى نفسه بحسب مقدار عدد الاسماء. وجميع الناس يعلم ان هذا باب يقطع عن استخراج الامور الناقصة من الصناعات وانه لا يؤدى الى استفادة شىء من الطرق الصناعية ولا الى العلم بشىء من الآلات التى بها تنجز الامور ولا الى النظر فيما يقع فيه بين الناس اختلاف.
وانا ممثل لك فى ذلك ههنا ايضا بمثال اعود فيه الى ذكر الحميات فأقول: انه لو ان انسانا اثبت فى كتابه ستة عشر اسما من اسماء الحميات ثم وقع ذلك الكتاب فى يد رجل يعلم الناس صناعة الطب فجعل ذلك الرجل يشرح ويفسر للناس بلسانه الحميات التى عليها يدل كل واحد من تلك الاسماء اترانا كنا نقدر من هذا الوجه وحده ان نعلم علما يقينا لا شك فيه هل ترك الواضع لذلك الكتاب شيئا من الحميات ام هل اتى على جميعها ام انما كنا نتعلم من ذلك الرجل بهذا الطريق من التعليم تلك الحميات التى ذكرها صاحب الكتاب، وكنا لا نعلم هل اتى على جميع الحميات حتى لم يخلف منها واحدة؟ بل كنا متى نظرنا فى كتاب آخر فوجدنا فيه اسماء الحميات متشابهة لم يتبين لنا بذلك اى الامرين هو الحق اعنى هل اراد بتلك الاسماء حميات اخر او انما دل على تلك الحميات بأعيانها بأسماء اخر. وذلك ان الامر فى هذا على ما وصفنا.
فقد علم ان الاقتصار على تعديد الاسماء ان كان تحبس صاحبه الى القناعة بالاسماء من حيث لا يشعر فهو ضار للمتمسك به من وجهين: وذاك انه ربما كان مرارا كثيرة الاسم الواحد يصرف من طريق المشابهة الى اشياء كثيرة وربما كان الشىء الواحد يسمى بأسماء شتى اذ كان من الاشياء الكثيرة الاسماء. وهذان امران الاول منهما ينقص من عدد الاشياء المشار اليها بالاسماء والثانى يزيد فى عددها. واما المبتدأ من نفس الامور المدلول عليها بالاسماء فقد ثبت ان صاحبه يحصل به عددها كلها بطريق صناعى ثم يكون الامر بعد ذلك مطلقا لمن شاء ان يخترع لها اسماء يدل بها الناس بعضهم بعضا فى كل وقت يريدون على ان الحمى التى تأخذ المريض اى حمى هى من غير ان يدخل بسبب ذلك نقصان فى عدد الامور انفسها او يتخلف شىء منها، بل فى ذلك راحة من المحال وحب الغلبة. فان كنت ايها الفاعل لذلك ليس تريد ان تضطر به انسانا الى موافقتك على الاسماء لكن تريد ان تكون انت المعلم لطلاب هذا العلم فمطلق لك ان تسمى كل واحد من الاشياء باسم له خاصة. ولكن الانفع لمن يتعلم منك ان تكون تتحرى اشراكه فى الصواب فتقصد اولا الاسماء التى قد اعتادها الناس وعرفوها وتنظر: فان وجدتها مساوية لتلك الاشياء فى العدد لم تتعدها الى غيرها ولم تطلب زيادة عليها، وان وجدتها اقل عددا فحينئذ تخترع ما تحتاج إليه من الاسماء على طريق الاستعارة بالتشبيه وتسلك فى ذلك مسلك الصواب وتتخير من الاسماء اشهرها عند الناس.
পৃষ্ঠা ৬