وجميع ما قلته من هذه انما قلته لأفرق به بين المشاحة والمجادلة والمماكسة فى الاسماء وبين الاستدلال على نفس الامور التى يشار اليها بالاسماء. وذلك انه من البين لجميع الناس ان هذه الحمى التى ذكرناها ههنا فقلنا انها تأخذ ستا وعشرين ساعة وتترك اثنتين وعشرين ساعة غير الحمى التى لا تفارق اصلا لكنها مع ذلك تنوب فى اول يوم اعظم نوبتها وهى النوبة التى تعرض للمحموم فيها النافض مرارا كثيرة وتنوب فى اليوم الآخر اصغر نوبتها. فاما الامر فى ان كل واحدة منهما ينبغى ان تسمى شطر الغب ام انما ينبغى ان تسمى بهذا الاسم تلك التى يكر فيها النافض كرات فقط فهو امر ليس البحث عنه بهين. ولا هو ايضا من الامور الاضطرارية فى تجويد مداواة الحميات اذ كان استخراج الاشياء التى تداوى بها هاتان الحميان انما يكون بان يعلم المداوى لهما ان الواحدة منهما وهى التى قلنا انها تترك تتولد عن المرة الصفراء وحدها وان الاخرى تتولد عن المرة الصفراء والبلغم معا لا بان يعلم كيف يستعمل الاسماء. وكان المخطئ فى استعمال الاسماء لا يندا المريض من خطئه بشىء من المضرة، والذى لا علم له بجوهر ما بين الحميين ليس يمكنه ان يستخرج شيئا منهما ينتفع به فى مداواتهما. لانهما ان كانتا كلتاهما انما تحدثان مع ورم حار يحدث فى الاحشاء فقد يحتاج المداوى لهما لا محالة ان يعلم فى اى الاحشاء يحدث الورم الحار، وان كانت واحدة منهما تحدث مع ورم الاحشاء والاخرى تحدث بسبب عفونة الاخلاط فذلك ايضا مما يحتاج الى معرفته، وان كانتا ايضا كلتاهما تحدثان عن عفونه الاخلاط فقد ينبغى للمداوى ان يعلم اى الحالتين حال الاخلاط اعنى هل عفونتها فى البدن كله ام فى العروق فقط وان كانت فى العروق فقط افى جميعها او فى بعضها، ومما يحتاج ايضا الى معرفته ان يعلم هل الاخلاط التى عفنت اخلاط مختلفة وان كانت مختلفة فما الفرق بينها. فان جعل مبدأه من هذه الامور كان وجود المداواة اسهل عليه مما لو انه لم يبحث اصلا عن شىء مما وصفنا. فان لم يبحث المداوى بان لا يجعل استخراجه للاشياء التى يداوى بها من القياس ولا من نفس طبائع الامور واحب ان يكون استنباطه لها التجارب فالامر ههنا ايضا فيما احسب بين انه ينبغى لمن احب ذلك ان يميز ويفصل اولا الاشياء التى عليها تقع التجربة والا يجعل ذلك التمييز والتفصيل بتأليف حروف الهجاء وبالاشياء المركبة منها لكن باختلاف الاعراض واصنافها المتباينة. وقد كان الاختلاف والتباين بين هاتين الحميين ان الواحدة منهما لم تكن تترك وان النافض كان يكر فيها كرات كثيرة وان الاخرى كانت فى اليوم الثانى تأخذ اخذا آخر. واذ كان الامر على هذا فما المانع لصاحب التجارب من ان يتحفظ فى كل واحد من هذين النوعين المختلفين من انواع الحميات مداواة تصلح له خاصة من غير ان يسمى احدى الحميين غبا ويسمى الاخرى شطر الغب او يسميهما جميعا شطر الغب او يسمى الواحدة شطر الغب ولا يسمى الاخرى غبا مطلقا لكن حمى ممتدة، فان الاختلاف بين هؤلاء القوم فيما تقدم ذكره انما هو فى الاسم. وبينهم ايضا اختلاف من قبل ان بعضهم يسمى هاتين الحميين غبا يمتد وبعضهم يسميهما غبا ممتدا.
وعساه قد كان فيما قلناه الى هذه الغاية ايضا غناء وكفاية فى الدلالة على ان المحال والمراء فى الاسماء مباين للمحال والمراء فى نفس الامور، ولكن لما كان الخطأ الطويل المدة لا يمكن ان يداوى ويصلح فى وقت قصير المدة فقد ينبغى لنا ان نرجع الى ما كنا فيه من القول فنعيده، فعسانا وان كنا لم نقدر على رد هؤلاء القوم عما هم عليه فيما تقدم نقدر ان نردهم فى هذا الوقت ردا يجيدون به عن الاسماء ويميلون قبل المعانى التى تدل عليها الاسماء.
পৃষ্ঠা ৩