فالناس كلهم يسمون الحرارة النارية حمى، واما اراسسطراطس فيصرف هذا الاسم الى واحدة من حركات نبض العروق الخارجة عن الطبيعة من غير ان يكون يقدر ان ياتى فى ذلك بدليل من دلالة نفس اللفظ كما فعل بروديقوس او من استعمال واحد من الناس لهذا الاسم. ثم انه مع هذا يقصد الى الشىء الذى لا يسميه واحد منا حمى فيسميه حمى، ويترك الشىء الذى يسميه جميع الناس حمى بلا اسم. فان هذا هو العجب ان يكون لا يرضى بان ينقل الاسم عن الشىء الذى يعرفه جميع الناس الى شىء لا يعرفه احد من الناس حتى يدع الشىء الذى يعرفه جميع الناس عامة بلا اسم بتة. وهو فى فعله هذا شبيه بانسان قدم فى المثل من بلاد الهند او من بلاد النوبة بحيوان غريب فجعل يأمر الناس بان يسموا ذلك الحيوان فرسا ويذم من سمى الحيوان الصهال فرسا. وانت تعلم ان من فعل ذلك فلقائل ان يقول له فى البدعة التى ابتدعها والقضية التى قضى بها: «نعم ايها الحكيم نحن نقبل منك ونسمى هذا الحيوان الذى جئتنا به فرسا على ما امرت، ولكن اخبرنا ايضا كيف يجب ان نسمى هذا الذى لم نزل نسمى فرسا فانه ليس يجوز ان ندع مثل هذا الحيوان ومقدار انتفاع الناس به المقدار الذى هو عليه بلا اسم. وقد كان مطلقا لنا فيما سلف ان نقول يا غلام ايتنا بالفرس وامض بالفرس واسرج الفرس، والآن قد حظرت علينا هذا الاسم فاخبرنا باى اسم نسمى هذا الحيوان مجرى كلامنا عليه». فبحسب هذا المثل قد ينبغى لنا نحن ايضا ان نقول لاراسسطراطس: «لما كان الناس كلهم الى الوقت الذى جئت انت يسمون الحرارة الخارجة عن الطبع المنتشرة فى البدن كله النارية الكثيرة المقدار حمى وكنت انت فى هذا الوقت قد حظرت...»... ليس موقعه منى موقع كلام يستحق ان نضحك منه الضحك المنسوب الى ديموقريطس بل موقع كلام يستأهل ان نبكى عليه البكاء المنسوب الى ايرقليطس.
ومن اجل ذلك انا مقر ومعترف بانى معطل لهؤلاء السوفسطائيين الارجاس الذين قد جعلوا الاغاليط والحجج على غير عدل متجرا لهم يكسبون به المديح من الناس. وما كان ينبغى لهم ان يطلبوا المديح من الناس من غير جهة العدل بل فى جهة العدل والانصاف ولا يلتمسون ذلك من امور مفتعلة لكن من امور فيها بعض النفع ويتحرون ان يكون نفعا لجميع الناس فان لم يتهيأ ذلك فجلهم.
فانى انما وضعت جميع كتابى هذا بسبب هؤلاء السوفسطائيين، وهو كتاب لو لم يكن فى العالم قضية هذه القصة لكان هراء لا ينتفع به ولغزا كما انه ينبغى للانسان ان يتخذ السلاح ويجعله عدة له بسبب الشرار من الناس ضرورة — ولو لم يكن فى العالم ولا واحد من الناس انسان سوء لكان اتخاذه واعداده باطلا — كذلك كلامى فى كتابى هذا انما هو بمنزلة السلاح والعدد لملاقاة السوفسطائيين.
পৃষ্ঠা ২১