يجب ألا تعتبر الحادث السيكولوجي حادثا منفصلا، بل لا بد أن يعزى إلى الفاعل نفسه. (4)
لا بد أن يكون الفاعل على وعي بما يعمل. (5)
لا بد أن يكون الحادث الطبيعي «أو الفيزيائي» تغيرا في جسم الفاعل، شريطة ألا ينظر إليه في ذاته
per se
ما لم يكن الفاعل في حالة الفعل لا يفكر إلا في راحة جسمه هو، بل ينظر إليه من حيث علاقته ببيئته، أو بجانب من بيئته الخاصة، التي كان الفاعل يفكر فيها، والتي يريد أن يغيرها بفعله. (7) ويمكن أن تظهر عدة اعتراضات على هذا الرأي الذي يأخذ به «يوونج» على النحو التالي:
أولا: أن الرابطة السببية التي يقال إنها موجودة بين الحوادث التي تتكون منها عملية من العمليات يمكن أن تفهم بمعان شتى، فإذا ما كنا نتحدث عن العمليات التي تحدث في العالم الطبيعي، فإن هذه الرابطة قد تفهم على أنها تعني سياقا أو تتابعا منظما للحوادث التي تقع في هذا العالم. غير أن «يوونج» قد أوضح لنا أن هذا اللون من الرابطة السببية ليس هو ما يعنيه بقوله إن هناك رابطة بين الحوادث التي يتكون منها الفعل. وهو يقول في هذا المعنى: «يبدو لي أن السببية ليست حالة يتكرر فيها فحسب التتابع أو التلازم في الوقوع، لكنها تتضمن رابطة أعمق بين السبب والنتيجة - وأعتقد أنه من الواضح بصفة خاصة أن تحليل النظام في العلاقة لا يصلح في حالة الفعل ... فالتغير الموضوعي «أي الذي يحدثه الفعل في العالم الخارجي» لا يعقب الجانب الذهني فحسب، لكنه يتحد معه أيضا، بالمعنى الذي لا يمكن فيه رد هذا التغير إلى سياق أو تتابع منظم.»
7
لكن إذا كانت الرابطة السببية التي يقال إنها موجودة بين الحدث الذي يمثل الجانب الذهني والحدث الذي يمثل التغير الموضوعي، ليست مجرد تتابع منظم، فإن البديل الباقي في هذه الحالة هو أن يكون الحدث الأخير معتمدا في وجوده على الحدث الأول. وهذا الاعتماد قد يعني أن تعاقب الحدث الأخير للحدث الأول إما أن يكون تحليليا أو تركيبيا. ولو أننا برهنا على أنه ضرورة تحليلية فلن يكون هناك فاعل في هذه الحالة. إذ لن يكون الحدث الثاني إلا نتيجة منطقية مترتبة على طبيعة الحدث الأول. لكن من المستحيل منطقيا أن نفترض أن التغير الموضوعي المعين الذي يحدث في العالم الخارجي ليس إلا جزءا من الجانب الذهني الذي هو بدوره فكرة من الأفكار. وقد يقال: إن الحركة الجسمية التي نشاهدها متلازمة الوقوع مع فكرة من الأفكار، أو إنها تابعها المنظم، لكن لا نستطيع أن نتصورها جزءا من الفكرة. وبالتالي فإن التغير الموضوعي لا بد أن يعقب الحدث الذهني من الناحية التركيبية، وهذا هو الاحتمال الثاني، وهو يعني أن الرابطة بين الحادثتين ليست رابطة مطلقة، لكنا نستطيع عن طريق الخبرة وحدها أن نعرف أن إحداهما تعقب الأخرى: وهنا يمكن أن نتساءل؟ خبرة من؟ ونجيب: خبرة الفاعل بالطبع، ومن ثم يكون الموقف على النحو التالي: (1) لدينا جانب ذهني من ناحية، وتغير موضوعي من ناحية أخرى. (2) التغير الموضوعي يعتمد في وجوده على الجانب الذهني. (3) الجانب الذهني قد يعقبه - وقد لا يعقبه - تغير موضوعي. (4) الفاعل هو وحده الذي يستطيع أن يخبر النتيجة.
لكن إذا كان وضع المشكلة هو على هذا النحو: فأين هي أوجه التشابه التي تبقى بعد ذلك، بين الفعل الذي يحدثه فاعل، وبين العملية التي تحدث في الطبيعة؟ ما هي أوجه الشبه بين الفعل الذي أقوم به بوصفي موجودا بشريا وبين العملية الطبيعية التي تقع في العالم الخارجي؟ الحق أن الفعل الذي يقوم به الفاعل السيكوفيزيقي يتميز بخصائص معينة تجعله فريدا في نوعه من ناحية، وتباعد بينه وبين العمليات التي تحدث في الطبيعة تباعدا تاما ... من ناحية أخرى. (8) ثانيا: يذهب «يوونج» إلى أن الحدث السيكولوجي الذي يسبق التغير الموضوعي ينبغي ألا ينظر إليه على أنه مستقل، بل لا بد أن يصف فاعلا أو أن يعزى إلى فاعل ما، غير أن فكرة الفاعل هذه تتضمن كل ما يحاول «يوونج» إنكاره. فهو يتساءل: «لماذا لا يكون كل فعل مؤلفا من حادثتين؛ واحدة في ذهن الفاعل، والثانية في العالم الخارجي - بحيث تكون الأولى سببا للثانية؟»
8
অজানা পৃষ্ঠা