34
ويسوق لنا جابر مثلا كيف نصنع «الميزان الوزني»، وكيف نستخدمه، وفي أي البحوث العلمية نستخدمه، وسأثبت هنا قوله بنصه لدلالته أولا على دقته التجريبية، وثانيا على سداد منهجه للوصول إلى نتائج علمية في موضوع كالوزن النوعي للمعادن، وما أشبهه بعالم اليوم؛ إذ يثبت تجاربه فيصف أجهزته التي استعان بها، ثم يصف الطريقة التي استخدمها بها، بالإضافة إلى النتائج التي يوصل إليها. قال جابر في استخراج الوزن النوعي للذهب والفضة: «فاستعمل ميزانا على هيئة الأشكال، ويكون بثلاث عرى خارجة إلى فوق، واعمل بهذه الكفتين كعمل الموازين، أعني من شدك بها الخيوط وما يحتاج إليه؛ ولتكن الحديدة الواسطة التي فيها اللسان في نهاية ما يكون من الاعتدال حتى لا يميل اللسان فيها أولا - قبل نصب الخيوط عليها - إلى حبة من الحبات، ويكون وزن الكفتين واحدا وسعتهما واحدة ومقدار ما يملؤهما واحدا، فإذا فرغت من ذلك على هذا الشرط، فلم يبق عليك كثير شيء؛ ثم شد الميزان كما يشد سائر الموازين، ثم خذ إناء فيه ما يكون عمقه إلى أسفل نحو الشبر أو دونه أو أكثر كيف شئت؛ ثم املأه ماء قد صفي أياما من دغله وقذره وما فيه - كما تصفى البنكانات
35 - ثم اعمد إلى سبيكة ذهب أحمر خالص نقي جيد، ويكون وزنها درهما ، وسبيكة فضة بيضاء خالصة صرفا، ويكون وزنها درهما؛ ويكون مقدار السبيكتين واحدا، ثم ضع الذهب في إحدى الكفتين والفضة في الأخرى، ثم دل الكفتين في ذلك الماء الذي وصفنا إلى أن تغوصا في الماء وتمتلئا من الماء ؛ ثم اطرح الميزان، فإنك تجد الكفة التي فيها الذهب ترجح عن الكفة التي فيها الفضة؛ وذلك لصغر جرم الذهب وانتفاش الفضة، وذلك لا يكون إلا من اليبوسة التي فيها، فاعرف الزيادة التي بينهما بالصنجة ...» «وكذلك يقاس كل جوهرين وثلاثة وأربعة وخمسة وما شئت من الكثرة والقلة، مثل أن تعرف النسبة التي بين الذهب والنحاس، والفضة والنحاس، والذهب والنحاس والرصاص، والفضة والرصاص والنحاس، والفضة والذهب والرصاص ... وكذلك إن شئت واحدا واحدا، وإن شئت اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة أو كيف أحببت.»
36
وبعد أن استطردنا قليلا في الحديث عن المعاني المختلفة «للميزان» نعود إلى «ميزان الطبائع» لنفصل فيه القول تفصيلا لا نستوعب به كل شيء، لكنه يكفي لتقديم فكرة عن هذا الركن الهام من كيمياء جابر بن حيان.
لقد سبق لنا أن ذكرنا - عند الحديث عن الحروف وأوزانها - أن تحليل الاسم دال على طبيعة المسمى؛ فتحليل كلمة «ذهب» - مثلا - دال على طبيعة الذهب العيني الذي سمي بذلك الاسم؛ لكن كيف يكون تحليلنا للاسم لنستدل به على طبيعة مسماه؟
ليست الحروف كلها سواء في المنزلة، بل منزلاتها متفاوتات القيمة؛ ويقسم جابر هذا السلم سبعة أقسام، وكان يستطيع أن يكتفي بأقل من ذلك، كما كان يستطيع أن يزيد من هذه الأقسام، لكنه يرى أن السبعة الأقسام تحقق قدرا من الدقة العلمية يكفل سلامة النتائج؛ وهو يطلق على هذه المنازل المتدرجة الأسماء الآتية، بادئا من أعلاها إلى أدناها: المرتبة وجمعها مراتب، الدرجة وجمعها درج، الدقيقة وجمعها دقائق، الثانية وجمعها الثواني، الثالثة وجمعها الثوالث، الرابعة وجمعها الروابع، والخامسة وجمعها الخوامس؛ وحروف الأبجدية تنقسم إلى هذه الأقسام السبعة على هذا النحو:
أ، ب، ج، د المراتب.
ه، و، ز، ح الدرج.
ط، ي، ك، ل الدقائق.
অজানা পৃষ্ঠা