واستقرار الحكم يكون فوق كل شيء بشيوع روح الشورى في البلاد، ونشر الحقائق على الشعب كلما سمحت المصلحة العامة، حتى يوجد الرأي العام المستنير، ولا تؤذى الكرامة القومية.
وعلى الصحافة الوطنية تبعات جسيمة، فواجبها الأول أن تتيح الفرصة للأمة للوقوف على كافة الحقائق والسياسات والأعمال، حتى تستطيع الأمة الحكم عليها بما تراه من تأييد أو انتقاد.
نريد حكما ديمقراطيا حرا تحترم فيه كرامة الفرد، ويعيش في ظله الرأي الحر. إن الديمقراطية تعاون حر بين السلطات جميعا، تعاون حر بين أحزاب حرة، تعاون حر بين الشعب والصحافة والبرلمان والوزارة والعرش لإسعاد البلاد، والعالم لا يسعد إذا ضعف الإيمان أو تزعزعت الوطنية. وعلى الوطنية الرشيدة تبنى الديمقراطيات العظيمة، فالوطنية أقوى البواعث التي عرفت من فجر التاريخ في دفع الناس إلى العمل النبيل، وقوتها الروحية مبعث الابتكار والنهوض للبشرية، وأساس طبيعي صالح للتفاهم الدولي والتعاون العالمي.
الوطنية الخالصة لا تطلب شيئا، ولا تسعى وراء شيء، تعمل وتنتج لأنها لا تستطيع إلا أن تعمل وإلا أن تنتج. هذه الوطنية هي التي توحي بالدعوة إلى جبهة وطنية مصرية في ساحة محايدة قومية، تعمل في إيمان ونزاهة لتعبئة عامة، وتعاون تام بين المفكرين من صفوة الأمة وغيرهم من المواطنين الصالحين رجالا ونساء، شيوخا وشبانا، أفرادا وجماعات؛ لنقصي ما في مجتمعنا من عيوب، وما في نظمنا من نقص، مستعينين بكل ذي خبرة وتجربة وعلم.
وفي الشئون العامة أهداف ووسائل، وموارد وخطط، وتقديم وتأخير، وبطء وسرعة، ومشكلات وحلول، منها مسائل كبرى قد يكون أثرها عظيما في حياة الأجيال المقبلة، هي مسائل ينبغي أن تجتمع عليها كلمتنا، فإذا انعقد الرأي في جو من التفاهم أصبح برنامجا قوميا شاملا لشئوننا الخارجية والداخلية، ودستورا للإصلاح يكفل اطراده ولو تتابعت الحكومات.
دعوة إلى الإصلاح تنفذ إلى صميم الحياة المصرية، وتغشى جميع البيئات، توصل إليها حقوقها وتطلب معونتها، حتى يدرك الشعب كله معنى الحياة الجديدة ويحس أثرها، فيقوم بنصيبه في كفالتها ودعمها، ويؤدي واجبه في استقرارها وتقدمها، دعوة تعبد طريق العمل لشبابنا، وتعده للبناء والإنشاء والتجديد، دعوة إلى الأمة للاتحاد حول راية الوطن، والالتفاف حول العرش. وعرش مصر مكين عزيز في قلوب المصريين جميعا، يجد في الشعب سناده كما يجد الشعب فيه عماده.
ففي القرن الماضي أسس محمد علي الكبير مصر الحديثة، وقرر مصيرها، وحقق استقلالها، ثم بدأ الملك المصلح فؤاد الأول عهدا جديدا، ونهضة شاملة مستنيرة، وفي عصر فاروق العظيم تستكمل مصر بعون الله أسباب عزتها، وتأخذ بين العالمين مكانها.
إن الأمور ليست هينة ولا ميسرة، وأمامنا عمل شاق يتطلب جهادا متواصلا واستقرارا سياسيا مكينا، لا يقوم إلا على تعاون وثيق، واتحاد دائم، يبذل في تحقيقه المواطن الصالح جهوده. ومن أول واجبات كل حكومة أن تبعث روح الثقة والتفاهم العام، وأن توطد دعائم الاتحاد القومي، فبغيره لا تتحقق الأهداف العظمى، ولا يتم النهوض بالإصلاحات الكبرى، التي تحصل الاستقلال، وتصون الحريات، وتكفل الرخاء. وإن المصلحة العليا للبلاد لتقتضيها اتخاذ تدابير حازمة للقضاء على المواطن التي تنبت فيها روح التنافر والشقاق.
إن السياسة الوطنية لا تقوم إلا على التعاون والتعاطف، والسياسة الوطنية ترتبط بمصالح الوطن العليا، فمن يخدم وظنه فهو صديق الوطن وصديق المواطنين جميعا، ومن يسيء إلى بلاده فهو عدو الوطن والمواطنين جميعا. وأصدقاء مصر سواء في شرف خدمتها، يتعاونون في وفاق ونزاهة، لا يحدوهم إلا إيمان صادق بالعدل والحق، والحق وحده هو الكفيل بإرضاء الناس جميعا، وهو الأساس الصحيح لكل اتفاق دائم بين البشر، وكل سلام وطمأنينة بين الشعوب. والحق هو الشيء الخالد الذي بنى عليه أجدادنا مجدهم، وكسبت به أمتنا سمعة عالية، وشهرة عتيدة.
إن الخلاف في الرأي ليس عملا عدائيا، فقد لا يختلف في الرأي إلا الأصدقاء الأمناء، وقد يكون أحسن الأصدقاء في أشجع الأعداء، وإن أكبر الساسة قلبا، وأبعدهم نظرا، هو الذي يجعل من العدو الشجاع صديقا وفيا، ووليا حميما.
অজানা পৃষ্ঠা