أجل، الجدل الكثير الذي دار حول عشيق الليدي تشاترلي جعلني أفكر في أشياء كثيرة وأحلم، أحلم بخطباء المساجد وشبابنا الثائر وقد انتشروا في بلادنا يدعون للجهاد المقدس، أحلم بمكاتب حكومة الجزائر في العواصم العربية وقد فتحت أبوابها الرسمية وأصبحت مراكز لقيد المتطوعين، أتصور حملات لجمع ملابس وعتاد وطعام ودواء للمحاربين، بكتاب وشعراء تركوا الأوراق والأقلام وأمسكوا المدافع. أحلم بأننا كلنا قد قمنا لنقضي على الاستعمار في الجزائر.
بداية ونهاية مرة أخرى!
للمرة الثانية أذهب لأشاهد بداية ونهاية. كنت أريد أن أستعيد ذلك الإحساس الطاغي الذي أحسسته وأنا أشهد وأسمع موال الإخوة الكبير الحافل بالشجن. إن بداية ونهاية قصة الإخوة؛ الإخوة في مجتمعنا. كاتبها نجيب محفوظ كان أخا كبيرا وهو يكتبها ومخرجها صلاح أبو سيف أحسها بإحساس الأخ، وكذلك عاشها عمر الشريف وفريد شوقي وسناء جميل وكمال حسين. ولأول مرة في فيلم أحس أن المخرج والممثلين قد ذابوا تماما في عمل أدبي، وللمرة الأولى أحس أن العمل الأدبي ممكن أن يكتب مرة أخرى بالإخراج والتمثيل، وبإتقان يصل إلى درجة أني في ساعة ونصف الساعة استطعت أن أعيش المشاعر التي قرأتها في ثلاث ليال. وسأظل كلما أحسست أني أفتقد رائحة بلادنا وعائلاتنا وحقيقتنا أذهب لأشاهد أو أقرأ بداية ونهاية، وربما لنفس العيب الذي أخذه البعض عليها، للذعة المأساة فيها. ما أحوجنا إلى جرعات متكررة لاذعة تفيقنا وتجعلنا نبدأ نتلمس حياتنا ونبحث فيها عن الجمال والقبح والأحلام.
إن بداية ونهاية والناس اللي تحت نقط تحول في السينما، قد ينصرف عنها بعض الجمهور وبعض النقاد، ولكن هذا هو الشأن دائما في نقاط التحول، إنها ضريبة الطفرة؛ إذ ما أسهل وأبسط وأنجح أن ننحدر وما أصعب أن نصعد.
ولك مني أطيب التمنيات
أعترف أني في حيرة بالغة من أمر صديقنا وزميلنا الأستاذ يوسف السباعي؛ فهو كشخص، من أظرف وأطيب وأنبل خلق الله، إلى درجة تخجل معها حتما أن تقول له كلمة تغضبه حتى لو كانت كلمة حق، وهذه ليست المشكلة، المشكلة أن هذا الفنان الطيب الظريف الخفيف الدم يشغل عدة وظائف بالغة الخطورة؛ إحداها سكرتيرية المجلس الأعلى للفنون والآداب، والمجلس جهاز ضخم متعدد اللجان والمهام متنوع الأدوار، ومن غير المعقول بالمرة ألا يخطئ المجلس أو تخطئ إحدى لجانه أخطاء تصيب بعض الناس بالضرر؛ ضرر لا بد أن يتحركوا معه ويرفعوا أصواتهم بالاحتجاج أو الشكوى. والكارثة أنه ما من مرة حدث هذا إلا وأخذ الأستاذ يوسف السباعي أي صوت احتجاج أو شكوى على أنه إهانة وجهت لشخصه، وثار وغضب. وهكذا في كل مرة أرى، أو يرى غيري، أن في أعمال المجلس أو قراراته أو حتى في وضع جمعية الأدباء أو نادي القصة ما يوجب الكتابة ولفت النظر، كنت في العادة أكظم نقدي وأسكت؛ فلا شيء يؤلمني قدر إغضاب صديق، خاصة إذا كان له مثل أدب يوسف السباعي ونقائه وبراءته.
والمشكلة الثانية أن طريقة يوسف السباعي هذه تنسحب أيضا على علاقاته الخاصة؛ فهو يعطي لنفسه حرية أن يتصرف كما يحلو له، ويغضب إن أنت عاملته بالمثل. كتبت له مرة خطابا في مناسبة خاصة فنشر الخطاب على صفحات الجمهورية، ولم يكتف بهذا بل كتب مقدمة قص فيها - من وجهة نظره - قصة لقائي به، وعلاقتنا وكيف زجرني أحيانا وقسا علي، أشياء ليست أعمدة الجرائد مكانها، ولا المناسبة مناسبتها، ولو كان أحد قد فعل نفس الشيء معه لهاج وماج واحتقن وجهه بالغضب. وفي الأسبوع الماضي كتبت أنقد بعض أعضاء لجنة التحكيم في جائزة الدولة، وآثر يوسف السباعي أن يرد هو فكتب مقالا في روز اليوسف استحل لنفسه فيه أن يصف ما فعلته بأنه حركة مسرحية متشنجة، وزعم أني فقدت صوابي، وأن على شخص ما أن يرد إلي صوابي، ومن سوء حظ صداقتنا أن يكون عليه هو أن يفعل ذلك، وسطور المقال محشوة بالغمز واللمز، ونهايته أعجب إذ يقول: يا يوسف، اعقل.
فبالله عليكم كيف أرد على يوسف السباعي. هل أنتهز الفرصة وأدخل معه في مهاترات شخصية وأعامله بلا كلفة وكأننا جالسان على قهوة وأقول له: عيب يا أبو حجاج. الحقيقة لا أستطيع أن أفعل؛ لأني أولا لا أحب هذه الطريقة، ولأني ثانيا ليست حرا في رفع الكلفة مع يوسف السباعي على صفحات الجرائد أو في لومه كشخص وتأنيبه؛ لأن يوسف السباعي له صفة أخرى، هي التي يخاطبها الناس حين يكتبون عنه في الجرائد، وهي وحدها التي تعنينا هنا إذ هي صفة الموظف المسئول، أما يوسف السباعي كشخص وكصديق فلا يمكن أبدا أن أفكر في عتابه أو التحدث إليه أو الهزل معه أمام جماهير القراء وعلى حساب وقتهم ونقودهم ومشاكلهم.
لهذا فأرجوك يا أستاذ يوسف، لنتفق أولا على أن تفصل فصلا تاما بين يوسف السباعي الكاتب ويوسف السباعي الشخص ويوسف السباعي الموظف المسئول؛ هذا اليوسف الأخير هو الذي أخاطبه. وهو يوسف لا يليق به أن يتحدث في أمور شخصية، ولا يليق بي، حتى لو تحدث، أن أعنفه أو أؤنبه أو أقسو عليه.
إذا اتفقنا فيمكننا أن ندخل في الموضوع وأرجو أن تعذرني إذا قلت لك إنني بعد كل هذه المقدمة الطويلة لا أجد مبررا للدخول في الموضوع بالمرة؛ فقد كنا نتناقش حول صلاحية بعض أعضاء لجنة التحكيم لجائزة القصة القصيرة، وكنا نحن في هذا، ولجنة التحكيم كانت تتخذ قرارا، أغرب وأعجب قرار اتخذته لجنة تحكيم قامت في أي بلد من بلاد العالم، قرارا باستبعاد جميع الكتب التي قدمت والتي كتبت حوار بعض قصصها بالعامية. وعلى هذا استبعدت اللجنة كتب جميع المتقدمين ما عدا ثلاثة. ولا أعرف إن كنت وأنت تكتب ردك كنت عالما بالقرار أم لم تكن تعلمه، ولكني أذكر ثناءك علي في ردك، وقولك: ولست أظن أن فوزه بالجائزة أو حرمانه منها يمكن أن يضيف أو ينقص من قدره؛ لأنه بلا جدال لم يعد في حاجة إلى أن يقوم قدره بجائزة ما؛ لأنه أثبت قدما وأكثر قدرا من أن تنقصه أو تزيده جائزة.
অজানা পৃষ্ঠা