165

واعلم أن التلاؤم يكون بتلاؤم الحروف ، وتلاؤم الحركات والسكنات ، وتلاؤم المعنى ، فإذا اجتمعت هذه الوجوه ، خرج الكلام غاية في العذوبة ، وفي حصول بعضها انحطاط درجة العذوبة عن الغاية ، وسائر أقسام الفصاحة مع عدم التلاؤم يعد تكلفا ، وكلما ظهرت الصنعة أكثر ، كان الكلام أقرب إلى أن يكون تعسفا ، وإذا حسن التلاؤم ، وحسن معه يسير الصنعة أشرق تأليف الكلام ووضعه .

ألا ترى إلى قول الشاعر:

تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار

ألا يا حبذا نفحات نجد ... وريا روضه بعد القطار

شهور ينقضين وما شعرنا ... بأنصاف لهن ولا سرار (¬1)

لما حصل التلاؤم حصل في النفس القبول التام مع قلة الصنعة فيه .

ومن ذلك قول القائل:

ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح ركن البيت من هو ماسح

نزعنا بأطراف الأحاديث بيننا ... ومالت بأعناق المطي الأباطح (¬2)

ألا ترى إلى ديباجته كيف حسنت ؟ وإلى عذوبته كيف ظهرت ؟ وإلى سلامته كيف استمرت ؟ مع خلوه من الصنعة ، ووقوعه بالبعد عن التعمل .

পৃষ্ঠা ২১৯