121

قيل له: هذا غلظ ظاهر ، وقلة تأمل لتراتيب أدلتنا ، لأن الدليلين يوجبان أن الاتيان بمثل القرءان لا يصح ولا يجوز ، وإن كان قد حكي عن قوم أنهم ذهبوا إلى أن التحدي وقع خاصا في ذلك العصر ، وأنه إن أتي بمثل القرءان بعد ذلك ، لم يقدح في كونه معجزا .

والدليل الثالث: لم يتضمن جواز الاتيان بمثله بعد ذلك ، وإن كان لم يتضمن وجوب تعذر الاتيان بمثله كما تضمنه الدليلان (¬1) ، فلا تناقض بينه وبين الدليلين المتقدمين ، فلم يمتنع (¬2) أن يشتمل جميعها على صحته كما ظنه السائل ؟!

ومثال ذلك: أن المستدل على حدوث الأجسام بأنها لم تسبق الأعراض الحادثة ، يصح له مع ذلك أن يستدل على حدوثها بأنها لم تسبق الأحوال المتجددة .

ويصح الاعتماد على الدليلين . وإن كان الدليل الأول يتضمن إثبات أعيان حادثة ، والدليل الثاني لا يتضمنه ، لأن الدليل الثاني وإن لم يتضمن إثبات أعراض حادثة ، فلم يتضمن أيضا نفيها ، ولم يمتنع أن يكون كل واحد منهما دليلا صحيحا مستقلا بنفسه .

فكذلك أدلتنا في إعجاز القرءان ، وإن كان بعضها يتضمن وجوب ما لا يتضمن وجوبه بعضها ، إذ لا يتضمن نفيه .

يوضح ذلك: أن القرءان لا يمتنع أن يكون معجزا لوجهين .

أحدهما: لا يتم إلا بأن يتعذر الاتيان بمثله على جميع البشر إلى آخر الدهر .

والوجه الثاني: يتم تعذر ذلك مع تراخي الزمان أو لم يتعذر .

- - -

পৃষ্ঠা ১৭৩