بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للَّه الذي جلّت نعماؤه عن الإحصاء وعلت آلاؤه عن أن تعد أو تحد أو تستقصى، وبهرت حكمته وسبقت رحمته. فالسعيد من كان بها مختصا، فمن أجل نعمائه التي عم بها وخص إظهار مظهر الحلال وهو المخصوص مع زيادة الشرف بقضاء فرض الحج وما يتعلق به من المناسك مما به وصى، وإظهار مظهر الجمال المقدس عن دواعي الشوائب وتخصيصه من بين مساجد الإسلام إذ هو أكثرها من صلة بقول اللَّه ﷿: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: ١].
أحمده وأشكره على ما منَّ به من حصول القصد وبلوغ المرام من زيارة بيت اللَّه الحرام، وقبر نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. والمسجد الأقصى الشريف والصخرة المقدسة وما حولها "المشاهد"
1 / 75
والمعاهد المعروفة بإجابة الدعوات وخرق العادات، وهذا واللَّه ما كنت أرجوه قبل هجوم الحمام وأرجو من كرم اللَّه ﷿ إتمام هذا القصد الجميل بحسن الختام والموت على الإسلام. وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. إله عمت نعمته "فشملت" الداني والقاصي، وتوفرت منته فاستوى في قصد حصولها الطائع والعاصي. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي من كمال فضله عليه وزيادة شرفه لديه المعراج وإسرائه به ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى السموات العلى على ظهر البراق في جنح ليل داج. وقدَّمه على الأنبياء إمامًا فصلى بهم في تلك الليلة عند قبة صخرة بيت المقدس. ومؤذنه وخادمه إذ ذاك جبريل المطوق بالنور الوهاج وأوحى إليه ما أوحى. وأعاده إلى مضجعه بمكة. وسحاب تلك الليلة ما انجاب وظاهر صبح غرتنا الميمون ما هاج. صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه وابتغوا النور الذي أنزل معه وعقدوا الخناجر على تمكين مقاعد عزه برفع لوائه وإظهار دينه الذي شرعه وجاهدوا في اللَّه حق جهاده ومازالوا على الوفاء بعهده، إلى أن عادت منارات جوامع
الإسلام مرتفعة ومنابر خطبائها بجواهر التوحيد مرصعة، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته الطيبين الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد فلما راق لى مشرع الحب وصفا، ورق لى ظل الغمام وصفا
1 / 76
ورد على عزمي الساكن مما حركه إلى أشرف الأماكن، فقلت من الواجب المبادرة، إلى أداء فرض الحج الواجب وعزمت بكلي على مجاهدة كلي، وركبت سفينة نجاة كنت أتمناها وقلت لما استويت عليها. باسم اللَّه مجراها ومرساها وساقني سائق الإنعام، والفضل الذي يحل عني الصفة إلى مكة المشرفة، فدخلتها في الثاني من شهر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وثمانمائة مهلا بعمرة وحللت من ذلك البيت الحرام محلا يتمنى أعظم ملوك الأرض أن لو قضى فيه عمره، واستمريت وللَّه الحمد بقية تلك السنة في ذلك المحل الشريف من العبادة والطواف على حالة حسنة ولما آن أوان الحج حججنا وقمنا من "أداء" الفرض بما يجب على كل حاج حسًّا ومعنى، وحين انقضت أيام مني وقع في العزم فتور في الحركة عن قصد العود إلى الديار المصرية إنشا (إن شاء اللَّه) فنويت المجاورة وقلت مجاورة بيت اللَّه الحرام، أفضل من الرجوع إلى القاهرة.
(وفي أوائل ثمانمائة وتسع وأربعين سنة) من الهجرة النبوية حصل التوجه إلى المدينة الشريفة النبوية وزيارة قبر سيدنا محمد ﷺ وعلى أبيه آدم ومن بينهما من الأنبياء والمرسلين وسلم وشرف وكرم. وكان هذا القصد المبارك هو قصدي الثاني لما فيه من حصول عوارف الفضل ولطف المعاني، ووجوب الشفاعة لمن زار قبره
1 / 77
وانضمامه يوم القيامة إلى لوائه المعقود في المقام المحمود. وما أسعد من أدخله اللَّه -تعالى- في تلك الزمر وإبلاغ السلام إلى الذات الشريفة النبوية المصطفوية شفاها ورده عليه نفسه والتمتع بين قبره ومنبره الشريفين بما يجتنيه الزائر من ثمار العبادة في روضة أنسه المحفوفة من اللَّه ﷿ بالأنوار المشعشعة من أنوار حضرة قدسه.
وتلك علامات الرضا غير أنها من اللَّه لم تحصل لغير موفق وتم هذا القصد المبارك الجميل في تلك السنة بعون اللَّه تعالى وتوفيقه وتيسيره وعدنا إلى مكة المشرفة بقصد الحج ثانيا وكان ذلك مما لا يوافق بواعث النفوس على الانصراف إلى غيره. فحججت وقصدت الرجوع من حيث جئت، والنفس تأبى الموافقة على ما أردت،
فلما رأيتها لا تنقاد ولا تلين، استخرت اللَّه الذي ما خاب من استخاره ولا ندم من استجاره، وأقمت بمن معي من أهلي في بلد اللَّه الأمين متوكلا في طلب الرزق على من هو يرزقنا من (حين) خلقنا وإلى أن يتوفانا ضمين تاليا قول اللَّه ﷿: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ [فاطر: ٢]. وقوله: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: ٣٩] وحصل الخير ودرت الأرزاق ونودينا من سر الغيب الكامن في مستودع اللطف الخفي ما عندكم ينفد وما عند اللَّه باق.
1 / 78
وصار الرزق علينا وعلى أهلينا ومن معنا في كل وقت يزيد وملبس السعة والسكون والدعة عند البيت العتيق في كل يوم جديد. وحصلت من فوائد عديدة، ومن ملازمة أنواع العبادة على أشياء ليس هذا موضع ذكرها، ولكن بديع الاستطراد أوجب التنبيه على ذكر المقاصد الحسنة بطريق العادة، بعد مضي تسع سنين في أوائل سنة سبع وخمسين عدت إلى القاهرة المحروسة جعلها اللَّه دار الإسلام إلى يوم الدين.
وما رجعت حين رجعت من الحجاز الشريف وحصول ما حصلت عليه من بركته إلا وخاطري مشغول وقلبي متعلق برؤية بيت المقدس وقضاء الوطر من زيارته فلما صرت بالديار المصرية أشغلتني عن ذلك شواغل الخدمة التي من أجلها نقتات وعاقتني عن ذلك عوائق وحالت بيني وبينه من الأقدار الإلهية حالات.
واتفق أن المخدوم الذي كنت في خدمته ولى نيابة حلب، فقلت الحمد للَّه حصل القصد ونجح الطلب وبلغت إن شاء اللَّه تعالى من زيارة المسجد الأقصى والصخرة المقدسة وما جاور من المعاهد والمشاهد التي هي على التقوى والرضوان مؤسسة، غاية الأرب. وفي الطريق حصلت أيضًا عوائق مانعة وتعذر الذهاب إلى ذلك المحل المقدس لأسباب لا يليق معها إلا المتابعة، ثم إني رجعت إلى عقلي وتمسكت من هذه الفاصلة بالسبب الأصلي
1 / 79
وقلت لو أن صاحب البيت الذي أذن أن يرفع ويذكر فيه اسمه، ليسر الغرض المطلوب ولكن الأمر أمره والحكم حكمه، ثم ثنيت عنان العزم عن قصد الزيارة، وترخيت، ولازمت الدعاء في مواطن الإجابة وتوخيت وشرعت أقول الأمور مرتهنة بأوقاتها.
ومضت على ذلك مدة زمانية والردد كثير من المملكة الشامية إلى الديار المصرية والعزم العزم والشوق الشوق والنية النية، غير أني توهمت من نفسي أن ذلك
حجب وطرد وحرمان، وخفت أن أموت ولم أحصل من الزيارة. على طائل، ثم قلت إن متُّ فلا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم ولا يضر شيء مع الإيمان.
وفي غضون ذلك التوهم الذي حصل جعلت للَّه تعالى على إن دخلت بيت المقدس وقضيت الوطر فيه من الزيارة وبلغت مع الزائرين فيه غاية التمني، واقتفيت فيه من نهج الهدى آثاره، لأؤلفن من فضائل بيت المقدس وعجائبه وما اشتمل عليه من الصفات القديمة والهيائب (الهيئات) التي سارت أحاديثها الحسنة في الآفاق، وهى إلى الآن على عهدها مقيمة. تأليفًا لطيفا أجمع فيه بين الطريف التالد وأقضي به الأرب من خدمة هذا البيت هو في شد الرحال، أحد الثلاثة المساجد، آتي فيه
1 / 80
بما يوفي بالغرض المقصود وأستوفي فيه التليد والطارف، من عجائب الوجود وأشير إلى ما هو مشهور في حرماته العظيمة البركات الطاهرة الكرامات.
رجاء أن أجد ذلك مذخورا عند المولى الكريم الذي يضاعف لعبده الحسنات ويعفو عن السيئات وأنه هو القصد الجميل الذي ما عليه مزيد واللَّه هو الولى الحميد.
فلما كان الثالث من شعبان الذي تنشعب فيه الأنوار، خرجت من الشام المحروسة إلى جهة الأغوار، فزرت من جملة الصحابة، معاذ بن جبل وشرحبيل بن حسنة وأبا عبيدة بن الجراح رضى اللَّه عنهم أجمعين وقد فعل.
ومن هناك صممت العزم على المسير، فكانت علامة الإذن التيسير
1 / 81
وربك على كل شيء قدير وكان ممن أجرى اللَّه تعالى به قلم قدرته المحقق إطلاقي من قيد الحرمان المضيق إلى سعة منارة ذلك الفضاء المطلق. فدخلت القدس الشريف في يوم السبت المبارك الثامن والعشرين من شهر رمضان المعظم قدره وحرمته سنة ثمانمائة وأربع وسبعين من الهجرة النبوية. فحصل لى في أول وهلة من بقية العشر الأواخر من شهر رمضان ما حصل لأهل السعادة إن شاء اللَّه -تعالى- من جزيل الفضل ووافر الامتنان وحضرت العيد في ذلك الجمع الذي تفرد بخطيبه ومنبره وتوضح بشر فلاح الفلاح على قوس محرابه، وأوضح غوره وسطح لنا الملك العظيم من مطالع أفقه وحلية طرازه ومسرى سواريه وعضائد السهى.
(هذا وقد أشرقت فيه الصخرة الشريفة على السها) وازدهرت مصابيح أنسها في سماء قدسها والصخرة قائمة بنفسها رفعها اللَّه الذي رفع السماء بغير عمد ترونها
فأنشدت:
بلغ الصدود المنتهى ... والقلب عنكم ما انتهى
وإذا رضيتم حالتي ... فيكم فذاك المشتهى
ها قد حللت بأرضكم ... متفيئا في ظلها
مستمطرا من سحبكم ... أهنئ هواطل وبلها
1 / 82
فلئن سمحتم فهو من ... عاداتكم وأجلها
وعوارف الحسنى لكم ... معروفة من أصلها
ثم قلت: الآن تم القصد وحصل المراد وخلت سلمى بسليم فلا راد له عنها ولا صاد ومن ثم بادرت إلى وفاء نذري الذي تقدم (و) نظرت في الكتب الموجودة المتضمنة لما نحن فيه قال الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أبو محمود أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال بن تميم بن سرور المقدسي الشافعي صاحب مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام -رحمه اللَّه تعالى- ممن سلك ونظم ونثر في حسن التأليف على المنهج الأقوم.
والشيخ الإمام، العالم، العلّامة الحبر، البحر، الفهامة، سيد الأشراف وواسطة عقد المنتمين بالنسب المنيف إلى بنى عبد مناف شيخ الإسلام علّامة العلماء الأعلام تاج الدين أبو النصر عبد الوهاب الحسيني الشافعي الدمشقي جمل اللَّه الوجود بوجوده وأنار في أفق العلياء كواكب سعوده، صاحب الروض المغرس في فضائل بيت المقدس ممن تمنى وثمر وارتضى وانتقى وصبر واعتبر وأحاط واحتاط وتتبع المقاصد الحسنة من مظانها وصنف ما ألف على صفة لا تحاط بمكانها، ونقل ما نقل من كلام السابقين الأولين بنصه وصاغ في مبادئه وخواتمه، حديث الفضائل بقصة فياللَّه ما أحلى وباللَّه ما أجلى، ولقد أغناني بفوائده التي أهداها عن الافتقار إلى الاطلاع على أهل الصدر الأول فمن بعدهم من الكلام على ما نحن فيه بما يحصل يه كمال الانتفاع، فإنه أخبر في كتابه الكريم المبدئ من فاتحة (كل) كتاب، "بألم" أنه
1 / 83
وقف على فضائل القدس للشيخ الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ﵀، وهو جزء لطيف وأنه وقف على ما حضره من الجامع (المستقصى) -في فضائل المسجد الأقصى للإمام الحافظ
بهاء الدين أبي محمد القاسم ابن الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر، وهو المجلد الأوسط وعلى بعض كراريس يتلوه فيها الجزء السادس عشر والسابع عشر، والمجلد المذكور مقروء على مؤلفه وهو أجزاء أوله الثاني عشر وطبقة سماع على مؤلفه مؤرخة بتاسع عشر شهر رمضان سنة ست وتسعين وخمسمائة بالمسجد الأقصى وطبقة أخرى على مؤلفه أيضًا مؤرخة بسابع ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وطبقة أيضا على غير مؤلفه وهو الشيخ الإمام العالم تقي الدين أبو محمد إسماعيل التنوخي سمع عليه الإمام
1 / 84
الحافظ العلامة تاج الدين عبد الرحمن بن ضياء الفزاري، والإمام أبو زكريا يحيى النووي وغيرهما بقراءة الفقيه العالم المحدث شرف الدين أحمد بن ضياء الفزاري وأنه وقف على مجلد أوله الجزء الأول، وآخره أوائل الجزء العاشر من كتاب الأنس في فضائل القدس لابن عم الحافظ شهاب الدين المذكور وهو القاضي الإمام الثقة أمين الدين أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة اللَّه الشافعي. والمجلد المذكور مقروء على مؤلفه وعليه طبقات سماع عليه آخرها مؤرخ بيوم الخميس خامس عشر من شهر شوال سنة ثلاث وستمائة بجامع دمشق ومقروء على غيره، ثم قال القاضي أمين الدين أحمد المذكور.
وقد جمعت هذا الكتاب واعتمدت فيه على كتاب ابن عمي الحافظ أبي محمد القاسم بن الحافظ أبي القاسم ﵀ يعنى المسمى "بالجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى" وخرجت في مسموعاتي ورواياتي ما ساويته في إسناده وشاركته في روايته عن مشايخه وأفراده مع ما له من المقدمة والسبق وتفرد به من الحفظ والحذق
1 / 85
وكونه أعلى الجماعة سنًّا وأحسن في جميع الحديث فنًّا انتهى كلامه. قال السيد صاحب "الروض المغرس في فضائل بيت المقدس" ووقفت أيضا على كتاب "باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس" للشيخ برهان الدين الفزاري وقد قال في ديباجته: إنه منتخب في فضائل بيت المقدس وقبر الخليل ﵊ من اللَّه الجليل غالبا من كتاب "المستقصى" للحافظ بهاء الدين بن عساكر والقليل من كتاب أبي المعالي المشرف بن المرجا المقدسي وأعزو إليه ما نقلته منه والباقي من المستقصى.
قال وحذفت الأسانيد من ذلك كله لما اقتضته المصلحة في ذلك انتهى كلامه. قال السيد: ووقفت على كتاب "إعلام الساجد بأحكام المساجد" للشيخ بدر الدين الزركشي قال: ووقفت أيضًا على تسهيل المقاصد لزيارة المساجد للشيخ شهاب الدين أحمد بن العماد الأقفهشي الشافعي بخطه قال: ووقفت أيضا على جزء لطيف فيه فضائل الشام ودمشق للشيخ أبي الحسن علي بن محمد
1 / 86
بن شجاع الربعي المالكي وسمع هذا الجزء بدمشق في المسجد الجامع سنة ٤٣٥ واختصره الشيخ برهان الدين الفزاري بحذف الأسانيد وحذفت ما قام غيره مقامه وسماه "الإعلام بفضائل الشام" قال السيد: ووقفت أيضا على تأليف بالمسجد الخليلي -على ساكنه أفضل الصلاة والسلام- لشخص متأخر عاصرناه يدعى إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن كامل التدمري الشافعي الخطيب، والإمام بمقام سيدنا الخليل ﵇ سماه "مثير الغرام في زيارة الخليل ﵇" وحكى فيه عن الشيخين الإسنوي والبلقيني فوائد فقال فيه في مواضع وقال شيخنا عبد الرحيم الإسنوي وأفاد وقال شيخنا سراج الدين البلقيني وأجاد قلت: وهذا الذي وقف عليه السيد المشار إليه واعتمد النقل منه في تأليفه
1 / 87
المسمى "بالروض المغرس" أصل كبير لا يحتاج معه إلى زيادة نظر في شيء من كتب الفضائل وهو أدام اللَّه النفع به وبعلومه عمدة في الحديث حجة في النقل فيما عزمت عليه من إتمام هذا التأليف الذي قصدته وترتيبه على النحو الذي أردته وقد جعلته مشتملا على سبعة عشر بابا:
الباب الأول: في أسماء المسجد الأقصى وفضائله وفضل زيارته وما ورد في ذلك على العموم والتخصيص والإفراد والاشتراك.
الباب الثاني: مبدأ وضعه وبناء داود إياه وبناء سليمان ﵇ له على الصورة التي كانت من عجائب الدنيا وذكر دعائه الذي دعا به بعد تمامه لمن دخله ومكان الدعاء.
الباب الثالث: في فضل الصخرة الشريفة والأوصاف التى كانت لها في زمن سيدنا سليمان ﵇ وارتفاع القبة المبنية عليها يوم ذاك وذكر أنها من الجنة
ذاتها تحول يوم القيامة مرجانة بيضاء وما في معنى ذلك.
الباب الرابع: في فضل الصلاة في بيت المقدس ومضاعفتها فيه وهل المضاعفة في الصلاة تعم الفرض والنفل أم لا وهل المضاعفة تشمل الحسنات والسيئات، وفضل الصدقة والصوم والأذان فيه، والإهلال بالحج والعمرة فيه وفضل إسراجه، وأنه يقوم مقام زيارته عند العجز عن قصده.
الباب الخامس: في ذكر الماء الذي يخرج من أصل الصخرة المشرفة وأنها على نهر من أنهار الجنة وأنها انقطعت في وسط المسجد من كل جهة لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وفي آداب دخولها وما يستحب أن يدعى به عندها ومن أين يدخلها إذا أراد الدخول إليها وما يكره من الصلاة على ظهرها وذكر السلسلة التي كانت عندها وسبب رفعها وذكر البلاطة السوداء التي على باب الجنة واستحباب الصلاة عليها والدعاء بالدعاء المعين والمعين.
الباب السادس: في ذكر الإسراء بالنبي
1 / 88
ﷺ إلى بيت المقدس ومعراجه إلى السماء منه وذكر فضل الصلوات الخمس وذكر فضل قبة المعراج والدعاء عندها وفي مقام النبي ﷺ وفضل قبته وصلاته ﷺ بالأنبياء والملائكة ليلة الإسراء به عندها استحباب الوقوف في موضع العروج به في مقامه ﷺ والدعاء بالدعاء المعين.
الباب السابع: في ذكر السور المحيط بالمسجد الأقصى وما في داخله من المعاهد والمشاهد والمحاريب المقصود بالزيارة والصلاة فيها كمحراب داود ومحراب زكريا ومحراب مريم ﵈ ومحراب عمر بن الخطاب ومحراب معاوية ﵄ وما يشرع إليه من الأبواب وعدتها، وذكر الصخور اللاتي في آخر باب المسجد وذكر ذرعه طولا وعرضا وحديث الورقات وذكر وادي جهنم الذي هو خارج السور من جهة الشرق من ذلك المحل.
الباب الثامن: في ذكر عين سلوان والعين التي كانت عندها والبئر المنسوبة لسيدنا أيوب ﵇ وذكر البرك والعجائب التي كانت ببيت المقدس وما كان به عند قتل علي بن أبي طالب وولده الحسين ﵄ ومن قال: إنه كالأجمة ورغب عن أهله وذكر طلسم الحياة وذكر طورزيتا والساهرة والجبال
1 / 89
المقدسة وذكر جبل قايسون بخصوصه وما جاء فيه.
الباب التاسع: في ذكر فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ بيت المقدس وما فعله فيه من كشف التراب والرمل عن الصخرة الشريفة، وذكر بناء عبد الملك بن مروان وما صنعه فيه وذكر الدرة اليتيمة التي كانت في وسط الصخرة وقرنا كبش إبراهيم وتاج كسرى وتحويلهم منها إلى الكعبة الشريفة حتى صارت الخلافة لبني هاشم وذكر تغلب الفرنج على بيت المقدس وأخذه من المسلمين بعد الفتح العمري وذكر مدة مقامه في أيديهم وذكر فتح السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب -رحمه اللَّه تعالى- واستنقاذه من أيدي الفرنج وإزالة آثارهم منه وإعادة المسجد الأقصى إلى ما كان عليه واستمراره على ذلك حتى الآن وإلى يوم القيامة -إن شاء اللَّه تعالى-.
الباب العاشر: في ذكر من دخل من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأعيان الصحابة والتابعين رضوان اللَّه عليهم أجمعين وغيرهم ومن توفي منهم ودفن فيه وإجماع الطوائف كلها على تعظيم بيت المقدس ماخلا السامرة.
الباب الحادي عشر: في فضل سيدنا الخليل ﵇ وفضل زيارته وذكر مولده، وقصته عند إلقائه في النار وذكر ضيافته وكرمه وذكر معنى الخلة واختصاصه بها، وذكر ختانه وتسروله وشفقته ورأفته بهذه الأمة وأخلاقه الكريمة وسنته المرضية التى لم تكن لأحد قبله، وأنها صارت من الشرائع والآداب لمن بعده، وذكر عمره وقصته عند موته
1 / 90
وكسوته يوم القيامة.
الباب الثاني عشر: في ذكر ابتلائه ﷺ بذبح ولده ومن هو الذبيح وعمر إسحاق ﵇ وكم عمر أبيه وأمه حين ولد، وكرامة سارة والخلاف المذكور في نبوتها ونبوة غيرها من النساء وقصة يعقوب ﵇ وعمره، وشيء من قصة ولده يوسف ﵇ وصفته ومدة سنه عند فراقه لأبيه يعقوب ومدة غيبته عنه ومدفنه وذكر ما كان بينه وبين موسى ﵇.
الباب الثالث عشر: في ذكر المغارة التي دفن فيها الخليل ﵊. هو وأبناؤه الأكرمون وذكر شرائها من ملك ذلك الموضع وهو عفرون وأول من دفن
في تلك المغارة وذكر علامات القبور التي بها وما استدل به على صحتها وكم لبناء الحيز الذي بناه سليمان عليه الصلاة وذكر آداب زيارة القبور المشار إليها وبيان موضع قبر يوسف ﵊ وتسميته داخله الحيز وجواز دخوله وإثبات أحكام المساجد له وتسميته حرمًا وإقطاع تميم الداري ﵁ الذي أقطعه النبي ﷺ له ولمن وفد معه من الداريين ونسخه وما كتب به لهم في ذلك.
الباب الرابع عشر: في ذكر مولد إسماعيل ﵇ ونقله إلى مكة المشرفة، وركوب سيدنا الخليل ﵊ البراق لزيارته وزيارة أمه هاجر وموتها ومدفنها وعمر إسماعيل ومدفنه وكم بين وفاته ومولد نبينا محمد ﷺ واللَّه أعلم.
الباب الخامس عشر: في قصة لوط ﵊
1 / 91
وموضع قبره وذكر المغارة الغربية التي تحت المسجد العتيق تجاهه وذكر مسجد اليقين والمغارة التي في شرقيه.
الباب السادس عشر: فيما قيل في قبر سيدنا موسى ﵊ وعمره وفائدة سؤاله الدنو من الأرض المقدسة، رميه بحجر وصلاته بقبره ورأفته بهذه الأمة وشفقته عليهم، وذكر شيء من بعض معجزاته وذكر السبب في تسميته موسى واللَّه أعلم.
الباب السابع عشر: في فضل الشام وما ورد في ذلك من الآثار والأخبار وسبب تسميتها بالشام، وذكر حدودها وما ورد من حث النبي ﷺ "إسكانها" وما تكفل اللَّه "تعالى" به لها ولأهلها وأنها غير دار المؤمنين وعمود الإسلام بها وأن الشام صفوة اللَّه من بلاده يسكنها من يشاء من عباده ودعاء النبي ﷺ لها بالبركة وذكر ما بها من المعاهد والمشاهد المقصودة بالزيارة المعروفة بإجابة الدعوات والتنبيه عليها، وفي معنى ذلك مجملا ومفصلا وأضفت إلى هذا التأليف الحسن الأحسن فالأحسن مما انتقيته وانتخبته مما وقفت عليه من كتب المتقدمين والمتأخرين في الفضائل محذوفة الأسانيد وسميته "إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى" واللَّه سبحانه أسأل وهو أجل مسئول أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم موصلا إلى ما لديه من الزلفى والنعيم المقيم وأن ينفع به مؤلفه وكاتبه وقارئه والناظر فيه، إنه قريب مجيب لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب.
1 / 92
الباب الأول
في أسماء المسجد الأقصى وفضائله وفضل زيارته وما ورد في ذلك على العموم والتخصيص والإفراد والاشتراك، اعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى قال صاحب إعلام الساجد بأحكام المساجد: جمعت في ذلك سبعة عشر اسمًا وهي من النفائس المهمة المسجد الأقصى وسمي الأقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار ويبتغى بها الأجر من المسجد الحرام وقيل لأنه ليس وراءه موضع عبادة، وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث وروي أن عبد اللَّه بن سلام قال للنبي ﷺ لما تلا قوله تعالى: ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ [الإسراء: ١] ولم سماه الأقصى قال: لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئًا ولا ينقص قال: صدقت ومسجد إيليا بهمزة مكسورة ثم ياء ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء آخر الحروف ثم ألف ممدودة ككبرياء وحكى البكري فيها القصر ومعناه بيت المقدس حكاه الواسطي في فضائله وحكى
1 / 93
صاحب الطوالع فيه لغة ثالثة حذف الياء الأولى وسكون اللام وبالمد وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن ابن عباس الياء بألف ولام، واستغربه النووي.
وبيت المقدس بفتح الميم وسكون القاف، أي المكان المطهر من الذنوب، واشتقاقه من القدس، وهي الطهارة والبركة. والقدس: اسم مصدر في معنى الطهارة والتطهير، وروح القدس: جبريل ﵇؛ لأنه روح مقدسة، والتقديس: التطهير، ومنه وتقدس لك: أي تنزهك عما لا يليق بك، وفيه قيل للسطل: قدس لأنه يتطهر منه فمعنى بيت المقدس المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب، ويقال: المرتفع المنزه
عن الشرك، والبيت المُقَدَّس: بضم الميم وفتح الدال المشددة، أي المطهر وتطهيره إخلاؤه من الأصنام، وبيت المقدس بضم الدال وسكونها لغتان، وسلم لكثره سلام الملائكة فيه.
قال ابن موسى: وأصله شلّم بالمعجمة وتشديد اللام اسم بيت المقدس، ويروى بالمهملة وكسر اللام، كأنه عربه ومعناه بالعبرانية: بيت السلام، "وأرشلم" بضم الهمزة وفتح الشين المعجمة وكسر اللام المخففة قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى والأكثرون بفتح الشين واللام وكوره الياء وأرشليم، وبيت آيل وصيهون، وقصرون بصاد مهملة وثاء مثلثة، وبابوش بموحدتين وشين معجمة، وكور شلاه وشليم وأزيزل وصلون.
وقال في مثير الغرام: يقال: بيت المقدس بالتخفيف والتثقيل، والقدس بالسكون والتحريك، والأرض المقدسة والمسجد الأقصى وإليا وإيليا وشلم بالتشديد، وأورشلم أي بيت الرب وصهيون بصاد مهملة مكسورة، ويقال لبيت المقدس: الزيتون، ولا يقال له: الحرم.
وأما فضائله فلا تحصى ولا تحصر ولا تستقصى، والذي يدل على فضله من كتاب اللَّه -تعالى-
1 / 94