ইস্তিশরাক
نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة: دراسة في المنهج
জনগুলি
إنه منهج يؤدي إلى طريق مسدود، يغلق كل ثقافة على نفسها، ويرفض - من حيث المبدأ - رؤية الغير.
النقد السياسي الحضاري
كان الجديد في موقف الباحثين العرب من الاستشراق، هو ظهور نوع آخر من النقد لم تكن دوافعه دينية على الإطلاق، وإنما كانت سياسية حضارية في المحل الأول. وعلى حين أن أصحاب النقد الديني كانوا يهدفون إلى الدفاع عن العقيدة الإسلامية ضد «التشويهات» أو «الانحرافات» التي تتميز بها نظرة كثير من المستشرقين إلى الإسلام، فإن أصحاب النقد السياسي الحضاري يهدفون قبل كل شيء، إلى فضح الأهداف السياسية والتشويهات الثقافية للاستشراق من حيث هو أداة لهيمنة الغرب على الشرق في الميدان الفكري.
ومن الجدير بالذكر أن هاتين الفئتين من النقاد، الدينية والسياسية الحضارية، لا تعترف بالأخرى، ولا تعتمد عليها أو حتى تشير إليها في نقدها للاستشراق؛ فالإسلاميون لا يشيرون من قريب أو بعيد إلى نقاد الاستشراق من المنظور السياسي الحضاري، ولا يقبلون أن يستعينوا بحججهم، حتى ولو كان ذلك صورة ثانوية أو تكميلية. والسبب في ذلك واضح، هو أنهم يدافعون عن الإسلام كعقيدة، على حين أن الآخرين يتحدثون في كثير من الأحيان عن «الشرق» بوجه عام، وإذا تحدثوا عن الإسلام فإنما يقصدون به الإسلام السياسي أو الإسلام كحضارة، ولا شأن لهم بتفنيد «افتراءات» المستشرقين على العقيدة.
ويمكننا أن نعد ظهور هذا النوع - الجديد نسبيا - من نقد الاستشراق مظهرا من مظاهر النضج العقلي للثقافة العربية الحديثة. فهو يؤكد أن عهد الانبهار بالثقافة الغربية قد انتهى، بل إنه يؤذن ببدء العهد الذي تظهر فيه ردود فعل قوية متماسكة لدى المثقفين العرب على الثقافة الغربية التي تكون الجزء الأكبر من حصيلتهم. ولكن يظل هذا النقد برغم كل شيء «رد فعل»، وليس فعلا أصيلا؛ لأن الفعل الأصيل في الحالة التي نحن بصددها ليس نقد الاستشراق وإنما الاستغناء عنه ببديل تعاد فيه دراسة الثقافة العربية على نحو يتم فيه التخلص من أخطاء المستشرقين وتجاوز تحيزاتهم. وهذا الفعل الأصيل، كما نعلم جميعا، لم يحدث بعد.
بل إن هذا النقد للاستشراق، حتى من حيث هو مجرد رد فعل، يثير تساؤلات أساسية سنطرحها فيما بعد بمزيد من التفصيل، ولكن تكفينا الإشارة إليها في سياقنا الحالي. فإلى أي مدى تجاوز نقاد الاستشراق هؤلاء، المنظور الغربي الذي ينتقدونه؟ وهل يعد النقد الذي يقومون به نقدا جذريا بحق، إذا كانت جميع المفاهيم التي يستخدمونها، وجمع المناهج التي يطبقونها، مستمدة من الثقافة الغربية التي نبع منها الاستشراق، هل نستطيع أن نواجه الغرب حقا بذلك النقد الذي يظل في مجمله وتفصيلاته دائرا - من الناحية الفكرية - في فلك الثقافة الغربية؟ هل تستطيع حركة نقد الاستشراق من المنظور السياسي الحضاري، كما نجدها لدى المثقفين العرب الذين تحدد الثقافة الغربية أفقهم العقلي، أن تدفع عن نفسها تهمة كونها شكلا من أشكال النقد الذاتي للحضارة الغربية نفسها؟
هذه أسئلة نكتفي بطرحها الآن، بهدف إيضاح الاختلاف الكبير بين المنطلق الإسلامي والمنطلق السياسي الحضاري في نقد الاستشراق. أما المعالجة التفصيلية لها، فلا بد أن تنتظر حتى يقطع هذا البحث مراحله الهامة. •••
يلخص إدوارد سعيد موقفه من الاستشراق، الذي يقدم أساسا لنقده السياسي الحضاري له، بقوله: «وعلى ذلك فالاستشراق ليس مجرد موضوع سياسي للبحث، أو ميدان تعكسه الثقافة أو الدراسة أو المؤسسات الأكاديمية بطريقة سلبية، كما أنه ليس مجموعة النصوص الضخمة أو المتنوعة عن الشرق، ولا هو يمثل أو يعبر عن مؤامرة إمبريالية «غربية» لعينة من أجل إخضاع العالم «الشرقي». بل إنه توزيع للوعي الجيوبوليتيكي على نصوص جمالية وأكاديمية واقتصادية وسوسيولوجية وتاريخية وفيلولوجية، وهو توسيع لتمييز جغرافي أساسي (هو تقسيم العالم إلى جزأين غير متساويين، الشرق والغرب) ولسلسلة كاملة من المصالح يخلقها الاستشراق ويحافظ عليها من خلال الكشف العلمي والتحقيق الفيلولوجي والتحليل النفساني والوصف الجغرافي والاجتماعي ... والواقع أن الفكرة الحقيقية التي أدافع عنها هي أن الاستشراق هو ذاته بعد هام من أبعاد الثقافة الحديثة السياسية والعقلية، وليس مجرد ممثل لهذه الثقافة، ومن ثم فإنه يتعلق «بعالمنا» أكثر مما يتعلق بالشرق.»
1
وهو يزيد هذه الفكرة الأخيرة إيضاحا فيقول في موضع آخر إن الاستشراق يرتبط بمصدره، أي الغرب، أكثر مما يرتبط بموضوعه، أي الشرق، فللاستشراق صلة وثيقة بالحضارة المسيطرة التي أنتجته.
অজানা পৃষ্ঠা