وَقَوله دَلِيل على ان الله لَا يُكَلف نفسا إِلَّا وسعهَا لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت وَغير ذَلِك دَلِيل على أَن الله تَعَالَى لَا يُكَلف نفسا إِلَّا وسعهَا
والوسع هُوَ مَا تسعه النَّفس فَلَا تضيق عَنهُ وَلَا تعجز عَنهُ فالوسع فعل بِمَعْنى مفعول كالجهد
وَهَذَا أَيْضا كَقَوْلِه تَعَالَى مَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج [سُورَة الْحَج ٧٨]
وَقَوله يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر [سُورَة الْبَقَرَة ١٨٥]
وَقَوله مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج [سُورَة الْمَائِدَة ٦] والحرج الضّيق فَهُوَ نفى أَن يكون عَلَيْهِم ضيق أَي مَا يضيق عَنْهُم كَمَا أخبر أَنه لَا يُكَلف النَّفس إِلَّا مَا تسعه فَلَا بُد أَن يكون الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم مِمَّا تسعه النَّفس حَتَّى يقدر الْإِنْسَان على فعله وَلَا بُد أَن يكون الْمُبَاح مِمَّا يسع الْإِنْسَان وَلَا يضيق عَنهُ حَتَّى يكون للانسان مَا يسع الْإِنْسَان وَيحمل الْإِنْسَان وَلَا يضيق عَنهُ من الْمُبَاح
وليتدبر الْفرق بَين مَا يَسعهُ الْإِنْسَان وَهُوَ الوسع الَّذِي قيل فِيهِ لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا [سُورَة الْبَقَرَة ٢٨٦] وَبَين مَا يسع الْإِنْسَان فَلَا يكون حرجا عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا لَا بُد للْإنْسَان مِنْهُ من الْمُبَاحَات وَهَذَا يكون فِي صفة فعل الْمَأْمُور بِهِ كَمَا فِي الْوضُوء وَالصَّلَاة فَلَا بُد ان يكون المجزئ لَهُ من ذَلِك مَا يسع الْإِنْسَان وَالْوَاجِب عَلَيْهِ مَا يَسعهُ
1 / 27