ـ[استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال]ـ
المؤلف: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: ١١٨٢هـ)
المحقق: عقيل بن محمد بن زيد المقطري
الناشر: مكتبة دار القدس - صنعاء
الطبعة: الأولى، ١٤١٢هـ - ١٩٩٢ م
أعده للشاملة/ محمد بن يحيى
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مقابل]
_________
* قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
١ - الكتاب مقابل على النسخة المصورة، ثم قابلته على نسخة أخرى رمزت لها بـ (ب)
طبعت ضمن: مجموع الرسائل الفقهية للصنعاني
صفحة ١٦٥ - ١٨٣
بتحقيق: خالد بن محمد بن عثمان المصري
الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
٢ - قالَ محقق الطبعة (ب) ص (١٧) أنه عثر للرسالة على نسخة أخرى ضمن مجموع رقم (١) بمكتبة الأوقاف بصنعاء رقم ٥٤ إلى ٥٨
قلتُ: وهي نفس النسخة الخطية التي اعتمد عليها المحقق الشيخ عقيل المقطري
وقالَ أيضًا: وعند المقابلة وجدت أن الأصل مطابق تمامًا لهذه النسخة بلا أدنى فارق.
قلتُ: ورغم هذا وجدت بعض الفروق بين المطبوعتين أشرت إليها في الحواشي
قلتُ: وقد رجعت في بعض المواضع إلى صورة المخطوط المعتمد في (ب) المصور هنا http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=1053731&postcount=25
٣ - لم ننقل من الحواشي إلا ما يتعلق بالمخطوطة ولم ننقل تخريج الأحاديث ولا ترجمة المؤلف
অজানা পৃষ্ঠা
[مقدمة المحقق]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فإن إسبال الثياب وجعلها أسفل من الكعبين قد صار شائعًا في الأزمان المتأخرة، ولا تجد من ينكر عليهم صنيعهم هذا إلا ما شاء الله. وهذه المسألة -أعني إسبال الإزار والقميص وما أشبه ذلك- تعد من الكبائر.
ومن المؤسف جدًا أن تجد بعضًا ممن ينتسب إلى العلم يسبل إزاره ويجره في الأرض، وخاصة من الأزهريين، ثم اقتدى بهم عامة المسلمين. وتجدهم يتعللون بعلل واهية هي أوهى من خيوط العنكبوت، تارة يستدلون بما ورد في بعض طرق الحديث «من جر ثوبه خيلاء» وتارة يستدلون بأن النبي ﷺ قد جر ثوبه ... وهكذا. وهذا يدل على جهل منهم بالأصول التي وضعها العلماء للجمع بين الروايات.
وهذه الرسالة التي بين يديك للإمام الصنعاني ﵀ وهي «استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال» جمع فيها جملة طيبة من الأحاديث الدالة على تحريم إنزال الثياب تحت الكعبين، ورد قيها على الذين يجيزون ذلك لغير الخيلاء، وجمع بين الأدلة جمعًا طيبًا، وأيد كلامه بكلام من سبقه من العلماء على أن الإسبال محرم سواء قصد الخيلاء أم لم يقصد.
هذا وقد قمت بتحقيقها وتخريج أحاديثها رجاء أن ينفع بها كل
1 / 5
من وصلت إليه، وآثرت أن يكون تخريجي للأحاديث تخريجًا خفيفًا حتى لا أثقل الرسالة ولا أثقل على القارئ، وتكلمت على بعض الأحاديث التي بان لي ضعفها.
أسأل الله ﷿ أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجزي مؤلف هذه الرسالة خير الجزاء إنه أكرم مسئول.
ولا أنسى أن أتوجه بشكري الجزيل للأخ الفاضل الشيخ عبد الرقيب بن إسماعيل الصلوي على ما بذل معي من مجهود في المرحلة الأخيرة من تحقيق هذه الرسالة، وأسأل الله أن يرزقني وإياه العلم النافع.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أبو عبد الرحمن
عقيل بن محمد بن زيد المقطري
تعز/اليمن
1 / 6
وصف المخطوطة
١ - اسم الرسالة: (استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال) هكذا سماها مؤلفها ﵀، وورد في فهرست مخطوطات الجامع الكبير وغلاف الرسالة* (استيفاء الاستدلال في بيان تحريم إسبال الثياب على الرجال) والمعتبر هو تسمية المؤلف.
٢ - موضوعها: الكلام على تحريم إسبال الثياب على الرجال.
٣ - مكان وجود الرسالة: توجد الرسالة في المجموع رقم (١) من مخطوطات مكتبة الجامع الكبير بصنعاء وهي ضمن رسائل الإمام الصنعاني ﵀.
٤ - أول المخطوطة: الحمد لله الذي أسبل على الأنام ستره ...
٥ - آخر المخطوطة: ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، وأي حاجة أشد من مقام النهي والله أعلم.
٦ - نوع خطها: نسخي معتدل
٧ - تاريخ النسخ: نحو سنة ١١٧٥ هـ، كما في فهرست مخطوطات مكتبة الجامع الكبير بصنعاء.
٨ - عدد أوراقها: من الورقة ٥٣ - إلى الورقة ٥٧.
٩ - المسطرة:٣٥ سطرًا.
١٠ - المقاس:٣٣*٢٣
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
وكذا ورد الاسم في عنوان الرسالة ونصها في المطبوع من (ب) ومخطوطتها
1 / 17
استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال*
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى اسبل على الانام ستره، وعرفهم على لسان رسوله المختار ﵌ (١) نهيه وامره، والصلاة والسلام على الشفيع فى يوم يكشف عن ساق، وعلى آله الذين ليس بينهم وبين القرآن حتى يرد الحوض افتراق. وبعد:
فقد ورد سؤال عن احاديث السدل والاسبال، اى اسبال الإزار وما ورد فيه من الوعيد بالنار، وكيف امر صلى الله عليه واله وسلم من صلى مسبلا باعادة وضوئه مرتين بالتكرار.
فأجبت بجواب فيه كفاية واختصار، من غير مراجعة لما فى بطون الأسفار، لما قاله فى ذلك الائمة الكبار، ثم رأيت بسط الجواب واستيفاء الأقوال وتسميته: «استيفاء الأقوال فى تحريم الاسبال على الرجال» * فأقول:
أخرج مسلم فى «الصحيح» والبيهقى فى «السنن الكبرى» من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفى ازارى استرخاء فقال: «يا عبد الله، ارفع ازارك» فرفعته
_________
(١) في المخطوطة اختصرت الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى اّله وسلم في بعض المواضع هكذا (صللم)
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في النسخة الأخرى (ب) جاء العنوان مختلف هكذا: "استيفاء الاستدلال في بيان تحريم إسبال الثياب على الرجال" وانظر الصفحة السابقة
1 / 25
فقال: «زد» فزدت فما زلت أتحرى بعد، وقال بعض القوم: أين؟ قال: نصف الساقين.
وأخرج البيهقى فيها أيضا عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: سألت ابا سعيد عن الإزار فقال: اخبرك بعلم: سمعت رسول الله ﵌ يقول: «إزرة المؤمن إلى نصف الساقين، ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين، فما أسفل من ذلك ففى النار، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا»
وقد دلت الاحاديث على ان ما تحت الكعبين فى النار، وهو يفيد التحريم. ودل على ان من جر إزاره خيلاء لا ينظر الله إليه، وهو دال على التحريم، وعلى ان عقوبة الخيلاء عقوبة خاصة هى عدم نظر الله إليه، وهو مما يبطل القول بأنه لا يحرم الا اذا كان للخيلاء كما يأتى بسطه ورده.
وأخرج البيهقى فى السنن ايضا من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﵌: «ما كان اسفل من الكعبين من الإزار ففى النار» وفى لفظ: «ما تحت الكعبين من الإزار ففى النار» رواه البخارى فى الصحيح.
وأخرج أيضا من حديث يزيد بن ابى سمية قال سمعت ابن عمرو يقول
1 / 26
ما قاله رسول الله ﷺ فى الإزار فهو فى القميص.
قلت: سيأتى رفعه بزيادة.
وأخرج أبو داود والبيهقى أيضا من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: بينما رجل يصلى مسبلا إزاره، فقال له النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اذهب فتوضأ» ثم جاء، فقال له: «اذهب فتوضأ» فقال له رجل: يا رسول الله، أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه، فقال: «أنه كان يصلى وهو مسبل إزاره، وان الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره» قال النووى: انه على شرط مسلم.
قلت: وقال الحافظ المنذرى فى «سنن ابى داوود»: فى اسناده أبو جعفر رجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه. انتهى.
[قلت: قال ابن رسلان فى «شرح السنن»: اسم ابى جعفر هذا كثير بن جهمان السلمى أو راشد بن كيسان. انتهى.] *
وفى التقريب ما لفظه: كثير بن جهمان السلمى ابو جعفر مقبول، وفيه: راشد بن كيسان العبسى بالموحدة أبو فرازة الكوفى: ثقة من الخامسة. انتهى.
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
ما بين المعكوفين ليس في المطبوع من (ب) وهو في مخطوطته
1 / 27
وبه يعرف عدم صحة كلام الحافظ المنذرى فى أن أبا جعفر مجهول، بل قد تردد بين ثقتين، ولكن الذى أخرج له مسلم هو راشد بن كيسان، ولم يخرج مسلم لكثير بن جهمان، انما أخرج له أصحاب السنن الأربع.
فقول النووى: (ان الحديث على شرط مسلم) دال على أنه راشد بن كيسان، لكن كنيته أبو فزارة لا أبو جعفر، فالمتعين أنه كثير بن جهمان، ولا وجه لقول ابن رسلان أو راشد بن كيسان. اذ ذلك كنيته أبو فرازة والمروى عنه فى السنن أبو جعفر.
وأخرج أبو داود وغيره عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «من أسبل إزاره فى صلاته خيلاء فليس من الله فى حل ولا حرام». قال النووى: معناه قد برئ من الله وفارق دينه.
وأخرج أبو داود والبيهقى أيضا عن ابى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: نهى عن السدل فى الصلاة.
1 / 28
وأخرج البيهقى أيضا عن أبى عطية الوادعى: أن النبى صلى الله عليه وعلى اله وسلم مر برجل قد سدل ثوبه، فأخذ النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثوبه فعطفه فى الصلاة عليه.
وهو ان كان منقطعا، فقد أخرجه البيهقى من حديث أبى جحيفة موصولا، قال: مر النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم برجل قد سدل ثوبه فى الصلاة [فقطعه] *.
وهو وان كان فيه حفص بن ابى داود وقد ضعف فانه يعضده ما سلف.
وأخرج البخارى وغيره من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «بينما رجل ممن كان قبلكم يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل فى الارض إلى يوم القيامة»؛ الجلجلة - بالجيمين واللامين -: صوت مع حركة، والمراد أنه يسوخ فى الأرض أى يغوص فيها. وفى لفظ الترمذى من حديث ابن عمرو بن العاص (يتلجلج) وهو من التلجلج: التردد، فكأنه قال: يتردد فة تخوم الأرض.
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في (ب) والسنن الكبرى للبيهقي (٢٤٣/ ٢) (فعطفه) وقد ذكر الزيلعي في نصب الراية أن هناك رواية (فقطعه)
1 / 29
ولمسلم أن أبا هريرة رضى الله عنه رأى رجلا يجر إزاره فجعل يضرب برجله الأرض وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ان الله لا ينظر إلى من جر إزاره بطرا».
وأخرج الشيخان وأبو داود والترمذى من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقال أبو بكر: يا رسول الله ان ازارى يسترخى الا ان أتعاهده فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنك لست ممن يفعله خيلاء».
وأخرج مسلم عن ابن عمر رضى الله عنه أنه رأى رجلا يجر إزاره فقال له: ممن أنت؟ [فانتسب] * له، فاذا رجل من بنى ليث يعرفه ابن عمر، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأذنى هاتين يقول: «من جر إزاره (٣) -لا يريد بذلك الا المخيلة - فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة».
وفى رواية لأبى داود والنسائى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الاسبال فى الإزار والقميص والعمامة، من جر شيئا فيها خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة».
وقد قدمنا بأقل من هذا
_________
(٣) في المخطوطة (من جرجر إزاره)
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل (فانشب) والتصويب من (ب) ومن صحيح مسلم (٦/ ١٤٧)
1 / 30
موقوفا على ابن عمر، والذى رفعه عبد العزيز بن أبى رواد: مختلف فيه، قال فيه ابن حجر: إنه عابد صدوق ربما وهم ورمى بالارجاء.
قلت: بعد الحكم بكونه صدوقا لا يضره ما رمى به.
قال السيد محمد بن ابراهيم ﵀: الظاهر أن نافعا وقفه على ابن عمر ولا يضر، لأن الصحابى قد كان يفتى بالحديث غير مرفوع، خصوصا وقد رفعه الأكثرون، انتهى.
وأخرج أبو داود والترمذى والنسائى من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقالت أم سلمة رضى الله عنها: كيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: «يرخين شبرا» فقالت ام سلمة رضى الله عنها: اذا تنكشف أقدامهن. قال: «فيرخين ذراعا لا يزدن عليه».
وفى رواية لأبى داود قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمهات المؤمنين فى الذيل شبرًا، [فاستزدنه] * فزادهن شبرًا، فكن يرسلن [إلينا] ** (فنذرع لهن ذراعا) (٢).
واخرج مالك ... والنسائى عن أم سلمة رضى الله عنها قالت: حين ذكر الإزار-؛ فالمرأة يا رسول الله؟ قال: «ترخيه شبرا» قلت: إذا تنكشف عنها، قال: «ذراعا لا [تزيد] **** عليه».
_________
(٢) ما بين القوسين غير واضح في المخطوطة فأثبته من سنن أبي داود (٤/ ٣٦٥)
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل "فاستزدن" وفي (ب) فاستردفه والتصويب من مخطوطة (ب) وسنن أبي داود (٤/ ٦٥) رقم (٤١١٩)
(**) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
زيادة من (ب) وسنن أبي داود (٤١١٩)
(...) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل العزو لأبي داود وليس العزو له في (ب) ولم أجده عند أبي داود ولم أجد من عزا الحديث له
(****) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل (يزيد) والتصويب من (ب) والموطأ (٢/ ٩١٥) وسنن النسائي الصغرى (٥٣٣٧)
1 / 31
وأخرج البخارى والنسائى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففى النار». قال ابن الأثير: معناه أن ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل ففى النار عقوبة له على فعله، وذكر معنى آخر غير ظاهر.
وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن الأربع من حديث أبى ذر رضى الله عنه مرفوعا: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم: المسبل إزاره، والمنان الذى لا يعطى الا منة، والمنفق سلعته بالحلف والكذب».
وأخرج الطبرانى عن ابن عمر رضى الله عنه مرفوعا: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: المنان [عطاءه] *، والمسبل إزاره خيلاء، ومدمن الخمر».
إذا عرفت هذا فهاهنا لفظان: الاسبال والسدل، قال فى «النهاية»: السبل إزاره: هو الذى يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض اذا مشى، وهانما يفعل ذلك كبرا واختيالا؛ قال: والسدل هو ان يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك، وكانت اليهود تفعله فنهوا عن ذلك وهذا مطرد فى القميص وغيره من الثياب.
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل ومخطوطة (ب) رسمت هكذا (المنان عطاه) وما أثبته من (ب) والمعجم الكبير للطبراني (١٢/ ٣٩٠)
1 / 32
وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه، وفيه حديث على رضى الله عنه أنه رأى قوما وهم يصلون وقد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود، انتهى.
وبهذا يعرف أن تفسير ابن رسلان فى شرحه للسنن السدل والاسبال بأنه إرسال طرفي الرداء وما فى معناه من الطيلسان ونحوه حتى يصيب الارض بذيلها غير صحيح، لأنه بنى على أنهما مترادفان، وكلام «النهاية» يقضى بتغايرهما، وهو الذى دل عليه صنع* البيهقى فى «السنن الكبرى»، فانه عقد لكل واحد بابا مستقلا.
ويدل له ما فى سنن الترمذى فإنه قال: باب (٢) ما جاء فى كراهية السدل فى الصلاة، قال: وفى الباب عن أبى جحيفة، قال: أبو عيسى: حديث أبى هريرة لا نعرفه من حديث عطاء الا من حديث عسل بن سفيان، انتهى.
قلت: عِسْل بالمهملتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة وقيل مفتوحة، هو: أبو قرة البصري ضعيف قاله فى «التقريب». ثم قال الترمذى: قال بعضهم انما كره السدل اذا لم يكن عليه الا ثوب واحد فأما اذا كان عليه قميص فلا بأس وهو قول أحمد وكره ابن المبارك السدل فى الصلاة، انتهى.
ثم ذكر الترمذى بابا آخر فى جر الإزار وذكر فيه حديث ابن عمر، وهكذا أبو داود وجعل لكلٍ بابا. قال البيهقى: والسدل: إرسال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه، فان ضمه فليس سدلا.
قال: وروى عن ابن عمر فى إحدى الروايتين أنه كرهه، وكرهه مجاهد وإبراهيم النخعي.
_________
(٢) في المخطوطة (بارب)، والصحيح ما أثبتناه
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في (ب) (صنيع)
1 / 33
ويذكر عن جابر بن عبد الله ثم عن الحسن وابن سيرين أنهم لم يروا به* بأسا، وكأنهم انما رخصوا فيه لمن فعله لغير مخيلة، وأما من يفعله بطرا فهو منهي عنه، انتهى.
والخيلاء والمخيلة فسرها ابن الأثير بالعجب والكبر.
* * * * *
ولنعد إلى تحرير المقال فى الاسبال فنقول: هاهنا أربع صور:
اسبال مع مخيلة، وبغيرها، فى الصلاة، وفى غيرها.
الأول: الاسبال فى الصلاة، قال النووى: انه فى الصلاة وفى غيرها سواء، فان كان للخيلاء فهو حرام. وان كان لغير الخيلاء فهو مكروه، انتهى.
ثم قال: فأما السدل فى غير الصلاة فهو [خفيف] ** لقوله ﵌ لأبى بكر رضى الله عنه-وقد قال له: إن ازارى يسترخى أى يسقط من أحد شقي -: «إنك لست منهم» انتهى.
قلت: وكلامه مبنى على تسليم مقدمتين: الأولى: حمل المطلق على المقيد.
والثانية: القول بمفهوم الصفة.
وفى المقدمتين نزاع طويل بين أئمة الأصول يأتى الإشارة إليه.
ولم يذكر النووى هل الصلاة صحيحة أو لا إذا أسبله فيها خيلاء، وكأنه يقول بصحتها وغايته أنه صلى وهو فاعل محرما، فيكون كالصلاة فى الدار المغصوبة وهى عنده صحيحة وان كان آثما.
وقال أبو محمد بن حزم [مسألة] ...: ولا تجزئ صلاة من جر ثوبه خيلاء من
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في (ب) (فيه)
(**) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل (حقيق) والتصويب من (ب) والمجموع للنووي
(**) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
زيادة من (ب)
1 / 34
الرجال، وأما المرأة فلها أن تسبل ذيل ما تلبسه ذراعا فان زادت على ذاك عالمة بالنهى بطلت صلاتها، وحق كل ثوب يلبسه الرجل أن يكون إلى الكعبين لا أسفل البتة، فان أسبله فزعا أو نسيانا، فلا شيء عليه.
ثم ساق حديث مسلم عن ابن عمر أنه ﷺ قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء» قال: فهذا عموم للسراويل والقميص وسائر ما يلبس، ثم ذكر حديث ابن مسعود: «المسبل فى الصلاة ليس من الله فى حل ولا حرام». وعن ابن عباس رضى الله عنه: «لا ينظر الله إلى مسبل» وعن مجاهد: كان يقال من مس إزاره كعبه لم يقبل الله له صلاة.
قال: فهذا مجاهد يحكى ذلك يحكى ذلك عمن قبله وليسوا إلا الصحابة لأنه ليس من صغار التابعين بل من أوساطهم. وعن ذر بن عبد الله المرهبى (١) -وهو من كبار التابعين- قال: كان يقال: من جر ثوبه لم يقبل الله له صلاة.
قال: ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفا من أصحابه، ثم قال: قال على: يعنى ابن حزم نفسه المؤلف- فمن فعل فى صلاته ما حرم عليه فعله فلم يصل كما أمره الله فلا صلاة له، ثم ساق بعض ما قدمناه من احاديث الوعيد على من جر ثوبه وأسبله.
قلت: وقوله: (فان أسبله فزعا أو نسيانا فلا شئ عليه)، هو إشارة إلى ما أخرجه البخارى والنسائى من حديث أبى بكرة رضى الله عنه: أنها لما كسفت الشمس خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزعا يجر إزاره.
_________
(١) وفي المخطوط (الموهبي) والصحيح ما أثبتنا
1 / 35
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذى من حديث عمران بن حصين رضى الله عنه فى قصة سجود السهو وأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج غضبانًا يجر إزاره، فدل على أنه عند الفزع ومثله الغضب والنسيان لا يأثم بجر إزاره، وذلك لأنه لا بد من قصد [الفعل] *، والفزع والغضبان والناسي لا قصد لهم أصلا بل لا يخطر ببالهم الاسبال، فلا يقال ان فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك دليل على أن النهى عن الإسبال للتنزيه وأن فعله لبيان الجواز، لأنه لم يكن منه ﵌ فعلًا مقصودًا، ولأنه تقدم فى أحاديث الوعيد بالنار الذي لا يكون إلا على فعل محرم.
قال أبو محمد بن حزم: وأما المرأة فلها أن تسبل ذيل ما تلبس ذراعًا، واستدل بما قدمناه من أحاديث الترخيص لها.
قلت: الا أنه لا يتم الاستثناء الذى قاله الا اذا صلت مع الرجال للعلة: وهى انكشاف القدم يراه من يحرم عليه رؤيتها، وأما اذا صلت خاليه فى منزلها أو مع النساء مثلها فالواجب تغطية القدم بلا زيادة وذلك يتم دون إسبال كما يدل له قوله ﵌ لما سئل عن المرأة تصلى بدرع وخمار من [غير] ** إزار قال «لا بأس اذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها»، انتهى.
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل (القول) والتصويب من (ب)
(**) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
سقطت من (ب)
1 / 36
فإن [قلت] *: فإن كان الثوب طويلا ولفه بحزام ونحوه وصلى فيه، أيذهب التحريم؟
قلت: نعم، لأنه يصدق عليه أنه لم يصل مسبلا، ويدل له ما تقدم من حديث ابن عمر رضى الله عنه وقوله ﵌: «ارفع إزارك» فرفعته، فقال: «زد» فزدته. فإنه دليل أنه لفه عليه، وحديث عطفه ﵌ الثوب الذى الذى صلى عليه صاحبه مسبلا.
إن قلت: قد ذكر الشافعية كراهة شد المصلى وسطه.
قلت: إن تم لهم دليل ذلك فهذا الشد يدفع الإسبال المحرم فلا يبقى كراهة، بل هو واجب، على أن دليل ذلك هو حديث: «ولا يكفت** ثوبا»، والمراد: لا يكفت ما أبيح له عدم كفته لا ما وجب عليه كفته.
فإن قلت: إذا صلى من يرى تحريم الإسبال مطلقا خلف مسبل جاهلا للتحريم أو شافعي المذهب يرى أنه لا تحريم ... إلا للخيلاء، وأن معها لا تبطل به الصلاة، هل تصح صلاة القائل بتحريمه مطلقا خلفه؟
قلت: أما فى الصورة الأولى: فالجاهل غير آثم فتصح الصلاة، ويجب تعريفه بأنه منهي عنه.
وأما فى الصورة الثانية: فالمسائل الخلافية الإمام فيها حاكم فتصح الصلاة، والدليل حديث: «تصلون فما [صح] **** فلكم ولهم وما فسد فعليهم [دونكم] *****»، وفى معناه أحاديث الصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها والأمر بالصلاة معهم.
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
(*) في المطبوع من (ب) (قيل) وفي المخطوط كما في الأصل
(**) في (ب) ولا تكفت
(...) في (ب) (يحرم)
(****) في (ب) (صلح)
(*****) في (ب) (ولكم)
1 / 37
واعلم انه لم يصرح ببطلان صلاة المسبل خيلاء إلا ابن حزم ودليله نفى القبول فى الأحاديث عن صلاة المسبل، وقد طرد ابن حزم قاعدة نفى القبول فى جعله دليلا على عدم الصحة، فجزم بعدم صحة العبد الآبق فقال:
مسئلة: أيما عبد أبق عن مولاه فإنها لا تقبل له صلاة حتى يرجع إلا أن يكون أبق لضرر يحرم، ولا يجد من ينصره [عليه] * فليس آبقا حينئذ (١)، إذا نوى البعد عنه فقط. ثم استدل بحديث جرير بن عبد الله البجلي ﵁ قال: «إذا أبق العبد لا تقبل له** الصلاة» [قال: وبهذا يقول أبو هريرة، ثم ساق بإسناد إليه أنه قال (إذا أبق العبد لا تقبل له صلاة)] ... قال: وهذا صاحب لا يعرف له فى الصحابة مخالف، انتهى.
قلت: قد ذكر ابن دقيق العيد في «شرح العمدة» في حديث «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، أنه قد استدل جماعة من
_________
(١) في المخطوطة مختصرة هكذا (ح-)
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
(*) في المطبوع من (ب) والمحلى (منه) وفي المخطوط كما في الأصل
(**) في (ب) (لا يقبل الله له صلاة) وفي المحلى (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ)
(...) ما بين المعكوفتين ليس الأصل وأثبتها من (ب) والمحلى
1 / 38
المتقدمين بانتفاء القبول على انتفاء الصحة، كما فعلوه في قوله صلى الله عليه واّله وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» قال: ولا يتم ذلك إلا بأن يكون انتفاء القبول دليلًا على انتفاء الصحة.
قلتُ: وهذا هو الذي ذهب إليه أبو محمد بن حزم ثم قال ابن دقيق العيد، وقد حرَّر المتأخرون في هذا بحثًا لأن انتفاء القبول قد ورد في مواضع مع ثبوت الصحة، كالعبد إذا أبق لا يقبل الله له صلاة. وكما ورد فيمن أتى عرَّافًا وكشارب الخمر، ثم [قال] *: إنه إذا قيل قد دل الدليل على القبول من لوازم الصحة فإذا انتفى انتفت فيصح الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة، وتحتاج تلك الأحاديث التي نفى فيها القبول مع بقاء الصحة إلى تأويل [أو] ** تخريج جواب، انتهى.
قلت: معلوم أن حديث أبي هريرة وهو «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» لم يسق إلا لبيان أن لا صحة لصلاة بلا وضوء، و[القول] ... بأنه قد علم عدم صحة الصلاة إلا [بوضوء له أدلة أخرى لا يدفع الاستدلال] **** بالحديث على نفي الصحة بنفي القبول، فإن الأدلة على الحكم الواحد قد تكون متعددة من الكتاب والسنة والإجماع وقد تكون متكررة من نوع من هذه الأنواع.
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في المطبوع من (ب) (علل) وفي المخطوط كما في الأصل
(**) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
سقطت من المطبوع من (ب) وثبتت في مخطوطته.
(...) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل (القبول) وما أثبته من (ب)
(****) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:
في الأصل (بوصولٍ مرادٍ له آخر لا يدفع الاستدلال) وما أثبته من (ب) وفي مخطوطته (بوضوء له أدلة أخر لا تدفع الاستدلال).
1 / 39
ثم إنّا لا نسلم صحة صلاة الآبق ومن ذكر معه، وأين الدليل على صحتها؟ وقولهم الدليل عليه الإجماع بعدم لزوم الآبق ونحوه إعادة الصلاة بنوع وقوع الإجماع، وهذا ابن حزم وأبو هريرة يخالفان، على أن الإجماع نفسه ممنوع تحقيقه كما قرره الأئمة المحققون في الأصول وغيرها.
فالملازمة بين نفي الصحة ونفي القبول هي الأصل، والدليل على من ادعى خلافهما وأي شيء أدل على ذلك من أمره ﷺ للمسبل بإعادة وضوءه ثم قوله [تعللًا] * لذلك: (إن الله لا يقبل صلاة مسبل إزاره) فالأمر بالإعادة دليل على ملازمة عدم القبول لعدم الصحة، ومن ادعى عدم تلازمهما طولب بالدليل على دعواه، على أن الحديث دل على عدم صحة وضوء من صلى مسبلًا ولا عذر عن ذلك.
هذا وقد ذكر ابن العربي المالكي فرقًا بين ما نفى [عنه] ** القبول مع بقاء الصحة، وما نفى عنه مع عدمها، وهى [فروق] ... مذهبية قد سقناها في حاشيتنا على «شرح العمدة»، وذكرها صاحب «طرح التثريب» وهى مبنية على تسليم القول بالصحة مع عدم القبول وهو محل النزاع.
وأخرج الترمذى من حديث أبى أمامة مرفوعا: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة [بات زوجها عليها ساخط] ****، وإمام أم قوما وهم له كارهون» قال الترمذى: حسن غريب من هذا الوجه. وهو يشعر بأنه لا صحة لهذه الصلاة لأنها لا ترفع بل هى باقية فى ذمته.
وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي من حديث جابر ﵁ مرفوعا: «ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ولا ترفع إلى السماء حسنة؛ العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه .........» الحديث.
_________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة
(*) في المطبوع من (ب) (تعليلًا لذلك) وفي مخطوطته كما في الأصل
(**) في الأصل (عند) وما أثبته من (ب)
(...) في الأصل: (عروق) وما أثبته من (ب)
(****) في (ب) (بات عليها زوجها) وفي سنن الترمذي (وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ)
1 / 40