ثم عادا إلى مسطبة مشرفة على البحر، وجاء الراهب بغليون ملأه تبغا وأشعله له، فأخذ حسن يدخن ثم قال للراهب: «ألا تستغرب مجيئي إليكم وأنا لست مسيحيا؟»
قال: «إن هذا المكان يا ولدي يأتيه الزائرون من سائر الطوائف والملل بغير استثناء.»
قال: «وكم تبعد مدينة صيدا من هذا المكان؟»
قال: «مسافة يوم تقريبا، والطريق على شاطئ البحر ومعظمها في الرمال.»
قال: «وهل يستطيع الرجل أن يسير منفردا؟»
قال: «قد يستطيع ذلك، ولكن الطريق لا يخلو من الخطر ولاسيما في هذه الأيام.»
فقال: «ما الداعي لزيادة الخطر الآن؟»
قال: «الداعي إلى ذلك كثرة خطايانا وعدم سيرنا على مقتضى أوامر الله سبحانه وتعالى، حتى اختلف حكامنا وقام الخصام بينهم ونشبت الحروب؛ فإن صيدا تابعة لحكومة لبنان ولكنها دخلت في حوزة الشيخ ضاهر العمر الزيداني والي عكا، وهذا الرجل قد نبذ طاعة الدولة العلية وطمع في السلطة، وقامت بين رجاله ورجال الأمير يوسف حاكم لبنان حروب كثيرة في أماكن مختلفة، وفي السنة الماضية جاء ذلك الأمير الشهابي بجند من لبنان ومن عسكر الدولة لفتح صيدا، فأخرج منها الدنكزلي حاكمها من قبل الشيخ ضاهر، وبعد حصار أسبوع جاءت المراكب الروسية التي هي في هذا البحر بإيعاز من الشيخ ضاهر وضربت جنود الأمير يوسف بالقنابل وشتتتها. أما هذه السفن - ومن بينها خمس سفن كبار - فإنها مرسلة من كترينة ملكة المسكوف لمساعدة الشيخ ضاهر في كل ما يريد؛ وذلك لأنها حليفته ضد الدولة العلية.»
فقال حسن: «إذن الطريق خطر ولا يستطيع المرء أن يسير وحده فيه؟»
فضحك الراهب حتى اهتزت لحيته ثم قال: «بل لا يستطيع نفر من الناس أن يسيروا في هذه الأصقاع آمنين من الخطر، وترانا لذلك في ضيق شديد.»
অজানা পৃষ্ঠা