ودع حسن وعماد الدين صاحب الفندق، وسارا يقصدان الخروج من باب الدركاه، والمكاري خلفهما ومعه الجوادان يحملان أمتعتهما، فلما اقتربا من الباب وجداه مغلقا، وسألا البواب عما دعا إلى إغلاقه فقال لهما: «لا أدري، ولكن الأمر صدر بذلك من مولانا الوالي.»
فوقفا مبهوتين، ثم سألا البواب: «هل أبواب المدينة كلها أغلقت؟» فقال: «نعم.» ثم حانت من عماد الدين التفاتة إلى يمين الباب فوجد العمال عاكفين على ترميم السور، فقال لحسن: «إن الجزار يستعد للدفاع، وما أحسبه إلا قد اعتزم البقاء في المدينة.»
فقال حسن: «علينا إذن أن نحتال للخروج منها قبل أن تنشب الحرب بينه وبين الأمير، فكيف نستطيع ذلك؟»
فأخذ عماد الدين بيد حسن، وانتحى به ناحية وأسر إليه قائلا: «لا حيلة لنا في الخروج بالجوادين والأمتعة، والرأي عندي أن نكتفي بما خف حمله، ومتى صرنا خارج المدينة دبرنا وسيلة للركوب.»
فقال: «لكن كيف نخرج من المدينة؟»
فأشار إلى بناء كبير بالقرب من باب يعقوب وقال له: «إن هذا البناء دير لجماعة من القسس يقال لهم المرسلون الكبوشيون، والسور وراء الدير مباشرة، فإذا نحن دخلنا الدير وقصصنا على رئيسه قصتنا فقد يسمح لنا باجتياز السور من هناك.»
قال: «افعل ما تريد، فإني لا أخالفك في شيء.»
فعادا إلى المكاري، وطلبا إليه أن يعود بالأمتعة إلى الفندق ويسلمها لصاحبه، ونفحاه ببعض المال فعاد لتحقيق طلبهما شاكرا، ومضيا هما إلى الدير عبر الزقاق الضيق الذي يؤدي إليه، فلما بلغا بابه طرقاه، فأطل أحد الرهبان برأسه من فتحة فوق الباب وسأل: «من الطارق؟» فقال عماد الدين: «غريبان من المساكين يريدان الالتجاء إليكم.»
فغاب الراهب قليلا ريثما استأذن رئيس الدير، ثم عاد وفتح الباب ودعاهما إلى الدخول، ثم أغلقه كما كان وقادهما إلى حجرة وجدا فيها قسيسا يرتدي قباء من الجوخ شد وسطه فوقه بحبل، وعلى رأسه «طاقية» صغيرة سوداء مستديرة، وفي قدميه نعل شدت أصابعهما إليها بسيور من الجلد.
فهم عماد الدين بيد القس فقبلها بأدب واحترام وهو يقول : «أسعد الله صباحك يا حضرة البادري.» وكان هذا هو اللقب الذي يطلق على رهبان تلك الطائفة.
অজানা পৃষ্ঠা