ولهذا نعم العلماء من يحمله تطلب السجع والتجنيس على أن يضيم لهما المعنى، ويدخل الخلل عليه من أجلهما، كالذي صنع أبو تمام في قوله:
ذهبت بمذهبه السماحة، والتوت فيه الظنون: أمذهب أم مذهب؟
فإذا ما نظرت إلى تجنيسه في: (أمذهب أم مذهب؟) فاستضعفته، وإلى تجنيس من قال:
ناظراه فيما جنى ناظراه ... أو دعاني أمت بما أو دعاني
فاستحسنته، لم تشك بحال في أن ذلك لم يكن لأمر يرجع إلى اللفظ، ولكن: لأنك رأيت الفائدة ضعفت في الأول، وقويت في الثاني، وذلك لأنك رأيت أبا تمام لم يزدك بمذهب ومذهب، على أن أسمعك حروفًا مكرره، لا تجد لها فائدة -وإن وجدت - إلا مكلفًا متحملة، ورأيت الأخر قد أعاد عليك للفظه كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك أنه لم يزدك، وقد أحسن الزيادة ووفاها: ولهذه النكتة كان التجنيس -وخصوصًا المستوفي منه (١).
فعبد القاهر الجرجاني لا يعتبر فنون البديع علمًا مستقلًا، لأنه لم يفردها بالذكر، وإنما يدخلها في باب النمط العالي من النظم الذي