مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية
مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية
জনগুলি
الصورة الأولى: أهل الجاهلية وتكذيب الرسل
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد:١٩]، إن أهل الجاهلية كانوا قبل مبعث النبي ﷺ لهم أساليب وصفات وسمات ذمها الله في كتابه، وذمها رسوله ﷺ في سنته.
من هذه الأساليب والسمات والصفات: أنهم يلبسون الحق بالباطل، ويقلبون الحقائق فيجعلون الحق باطلًا والباطل حقًا، ويجعلون السنة بدعة والبدعة سنة.
قال الله تعالى مبينًا لنا ما فعله أهل الجاهلية لما جاءهم نوح ﵇ يدعوهم ليلًا ونهارًا سرًا وجهارًا، ووصفوه بأنه في ضلال مبين ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف:٦٠]، ثم بعدما صنع السفينة سخروا منه واستهزءوا به، وهذا دأب الأمم المكذبة، فإنه ما جاءهم رسول ليبين لهم طريق الرشاد والحق إلا استهزءوا به، وسخروا منه ثم يقلبون الحقيقة فيتهمونه بالكذب والخيانة والضلال والسفاهة.
وهذا هود ﵇ كما وصف الله جل في علاه دعا قومه إلى الطريق المستقيم، وإلى طريق النجاة، إلى الله جل في علاه، فقالوا: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [الأعراف:٦٦]، فاتهموه بالكذب والسفاهة، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وهكذا فعلوا بصالح، فقد اتهموه بالكذب لما دعاهم إلى الله وأتاهم بالناقة آية من آيات الله جل في علاه: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف:٧٥ - ٧٦]، فقلبوا الحقائق والموازين، وجعلوا الصادق كاذبًا، والهادي مضلًا، والأمين خائنًا.
وهكذا فعلوا مع موسى ﵇ لما بلغ مبلغه مع فرعون أعتى أهل الأرض دعيّ الربوبية، فجاءه موسى بأدب الداعي يدعوه بكلام هين لين عله يسمع ويطيع، فقال فرعون لما جاءه الحق: «إن هذا لسحر مبين»، فدُهش موسى مما قاله فرعون، وقال: ﴿أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ [يونس:٧٧]، فقال قوم فرعون: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف:١٢٧]، فقلبوا الحقائق والموازين، فموسى النبي الكريم الذي يرشدهم إلى جنات الله أصبح من المفسدين في الأرض، وهكذا يصنع أهل الجاهلية مع أهل الصلاح والرشاد.
وبنفس الطريقة قوبل رسول الله ﷺ، وهو أصدق من في الكون وأعبدهم وأكرمهم على الله سبحانه، فاتهموه بالجنون وبالسحر وبالكذب: ﴿وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾ [الدخان:١٤] وقالوا: ﴿سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [ص:٤] وقالوا: يفرق بين المرء وزوجه، ورموه بالأباطيل مع أنه الصادق الأمين ﷺ.
وهكذا قلبوا الحقائق، وجعلوا الباطل حقًا والحق باطلًا ليصدوا عن سبيل الله، وقد أخبر النبي ﷺ أن الموازين ستقلب بين يدي الساعة فقال: (إن بين يدي الساعة سنوات خداعة، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، وينطق الرويبضة).
وهذا الذي بينه النبي ﷺ قد ذمه الله وبين أن هذا الباطل إنما هو لطمس الحقائق، والعملة الزائفة لا تروج على الله جل في علاه، فإن الغيب عند الله شهادة كما أن الشهادة يعلمها الله جل في علاه.
ولما جاء وفد نجران من النصارى إلى رسول الله ﷺ دعاهم إلى الله جل في علاه، وبين لهم أن عيسى ﵇ عبد من عباد الله، وخلق من خلق الله، ثم أمرهم باتباع سنته، وبين لهم أنه أوحي إليه أنه ما من نبي يلقى رسول الله إلا وأمرًا واجبًا عليه أن يتبعه.
وهو قول الله سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾ [آل عمران:٨١]، فلما قال لهم ذلك ثارت ثائرتهم وقالوا: إن محمدًا يدعونا لعبادته، وهذه صورة لقلب الحقائق، فقد أمرهم أن يتبعوه، وبين لهم وحيًا من الله أن موسى لو كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعه فقال: (والذي نفسي بيده لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني)، فخرجوا يقولون بصوت عال تشويشًا على الحق إن محمدًا يدعونا أن نعبده.
وهكذا فعل المشركون من أهل مكة لما سمعوا النبي ﷺ يقول: اعبدوا الله واتبعوني، وذكر عيسى ﵇ وقصته، فقالوا: يومئ بأن نعبده كما عبدت النصارى عيسى بن مريم ﵇، وصدوا عن سبيل الله، فكشف الله زيفهم هذا في كتابه حيث قال: ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [آل عمران:٧١].
وقال الله وهو يتحدث عن بني إسرائيل: ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٤٢].
وهذه الصفة التي ذمها الله في أهل الجاهلية الجهلاء توجد في عصورنا هذه، فهناك من يطمس الحقائق ويصد عن سبيل الله بقلب الموازين، فيجعل الباطل حقًا والحق باطلًا، ويجعل الصدق كذبًا والكذب صدقًا.
3 / 3