ইসমাইল আসিম জীবন ও সাহিত্যের শোভাযাত্রায়
إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب
জনগুলি
وما ذلك إلا لأن في صوت الخطيب الرنان، وفي عينيه المتلألئتين، وفي وجهه المتشكل بحسب سياق الحديث من عبوسة إلى طلاقة فحزن فابتسام، وفي حركات رأسه ويديه واهتزازاته ما لا يوجد في سطور الصحف وصفحات الكتب. فهو يذهب بالسامع حيث شاء، متنقلا من أسف إلى شجن، فبكاء فانفعال فاحتداد فهياج؛ حتى يجعل دمه يغلي في عروقه ويدع الشيخ الفاني يستقف ويجعل شعر الشاب الناشئ يقف، فهو كالمغني في تخته وكالممثل في ملعبه وكالطائر فوق الفنن، وكالزهر بين الأوراق يترنم بذكر وطنه، ويمثل دور التفاني في الإخلاص ويبعث النشاط والأمل بشدوه في قلوب الأحداث، وتأخذ بألباب الناظرين، حركاته وإشارته كالنور نقطته الأنداء وحركته الخطرات، وطلعت عليه الشمس وغشته الظلال. فمثل هذا الإنسان - وقد أدرك هذه المقدرة من التأثير في القلوب وهذا السلطان على النفوس - لا ينبغي أن نكتفي بواحد من قبيله، ونحن في حاجة إلى استنهاض كبير وحث دائم وإرشاد متواصل.
ولا يعقل أن عشرة ملايين من المصريين لا يوجد بينهم إلا فرد واحد قد رزق هذه الخصيصة، بل لا بد أن يكون بينهم آلاف أو مئات وعلى الأقل عشرات من الرجال، ولكن الخمول والتراخي ألزمهم بيوتهم وأفقدهم مزية أنفسهم، وحرم بلادهم من مواهبهم الطبيعية، فكان من الواجب علينا - بصفتنا صحافيين - أن ندعو أولئك النيام إلى التيقظ والاقتداء بهذا الفرد النبيل، الذي شيد لنفسه بيتا من المجد كبيرا، وجعل لأمته في الغرب صوتا مسموعا، إلا أن حضرة المحامي الفاضل إسماعيل عاصم بك أبى إلا أن يكون حجرة عثرة في طريقنا؛ لأنه لا يروق في نظره أن ينادى بغيره خطيبا لسنا مصقعا.
والعقلاء يعدون مثل هذه الحزازات من صغائر الأعمال التي ينزه الأبي العيوف نفسه عنها، فلو أن حضرته عوضا عن اعتراضه علينا في نصحنا عضدنا وقال ها أنا ذا أجيب نداءكم وأنبري للخطابة في أبناء وطني، منبها داعيا إلى السبيل السوي والعمل النافع لوجد منا ثناء عاطرا وشكرا وافرا، أما وقد وقف هذا الموقف الخشن فليس له منا غير أن ننقض أقواله ونبطل مزاعمه حتى لا يحسب ذو فكر قاصر ونظر قصير في الأمور أننا أغفلنا مقالته عجزا أو تقصيرا. قال حضرته «أولا إنه عند دخول المحتلين مصر لم يكن فيها شيء اسمه النهضة الوطنية ولم نر فيها غير شرذمة من قواد العساكر ثاروا ضد أمير البلاد والهيئة الحاكمة»، وهذه - وايم الله - مغالطة لا مثيل لها؛ لأننا إنما قلنا «مر على خاطرنا تاريخ مصر منذ عشرين سنة؛ أي عقب أن وطئ المحتلون أرضها، فكنا نتمثل حوادثها الماضية تمثل الكهل النائم عهد الصبابة وعيش الصبا. تذكرنا تلك الأيام حيث كان الشعور الوطني شديد التمكن من أنفس المصريين، وحيث كانت آمالنا كأغصان وريفة دانية القطوف زاهية الأزاهر متضوعة الشذا. تذكرنا تلك الأعوام التي مرت متتابعة سراعا مرور السحاب تزجيها الأعاصير أو مرور الأنفاس تدفعها الزفرات المتتالية، وما ذكرناها إلا ما كان فيها من النهضة الوطنية التي تهتز لها أجسادنا كلما خطرت سيرتها على البال.»
ثم قلنا بعد ذلك بأربعة أسطر: «نعم، لقد كنا إلى عشر سنوات مضت نعقد الجمعيات العلمية ونؤلف الأحزاب السياسية، ويتصدى كتابنا وشعراؤنا وخطباؤنا لتنبيه الهمم واستفزاز النفوس وإحياء العواطف بأقوال تألفت من فقرات الشمم وكلمات تركبت من حروف المجد والإباء.» فأين كلامنا فيما ذكر هنا وهو ما أشار إليه في مفتتح مقاله من التكلم عمن كان لعهد دخول المحتلين في مصر من الثوار؟! ألا يمكننا أن نقول إن الحدة غلبت على رزانة حضرة الزميل فلم يجد الإنعام في التأمل، وما لنا ولجماعة الثوار نتكلم عنهم بثناء أو ذم وقد وفاهم التاريخ العصري حقهم، ووفى القريض رئيسهم قسطه. إن كلامنا انحصر في عشر سنوات؛ أي بعد دخول الإنكليز بثلاثة أعوام وقبل هذا الصيف بعشرة أحوال، وكان محور القول دائرا على ما كان في تلك العشر سنوات من جمعيات علمية وأحزاب سياسية، والجمعيات العمومية بالطبع كانت تجمع العالم المتضلع، كما كانت تجمع المتعلم الذكي، وكانت تجمع المدرس والموظف والمحترف جميعا، وليس في ذلك من عيب ولا عار؛ لأن الجمعيات إنما أوجدت لتضم شمل العقول المتنورة، فتزيدها تنورا، ولقد كان حضرة الزميل في جملة الذين يتطفلون على موائد تلك الجمعيات خاطبا متكلما متدفقا حماسا، فما باله اليوم يهزأ بها، زاعما أن أعضاءها كانوا من الأساتذة والتلامذة، على أن مثل جمعيات البستان والعلم الشرقي وأضرابهما لم تكن صغيرة حقيرة، بل كانت ذات شأن خطير، ومثل أعضائها وإن كانوا من الأساتذة والتلامذة إلا أنهم كانوا كبار النفوس والأفكار، وقد ظهر من بينهم أفاضل النابغين في هذه الأيام.
أما الأحزاب السياسية فإذ كان حضرته بعيدا عنها فهو بالطبع لم يكن يعرف بوجودها، ولكنا نكفيه عبء الإطالة في هذا الصدد بقولنا: إن اللورد كرومر صاح أخيرا هاتفا بأنه ظفر بالحزب الوطني المعارض، وضربه الضربة القاضية، وجناب المعتمد الإنكليزي أدرى من حضرة الزميل بما كان لذلك الحزب من الشأن الخطير، فليهدأ جأشه وليعلم أن الصحافيين الكبار لا يقولون الهذر ولا يلقون أزمة الكلام على عواهنه، ولعل حضرة الزميل نسي أو تناسى أن مجموعا كبيرا من طلبة المدارس العليا ألف حزبا عظيما وأبدى مظاهرات جمة دلت على حماس شديد ، وإن كان في الحقيقة قد ظهر في غير الوقت المناسب، ولقد أغلق علينا مراد الزميل من قوله «إن القول في صدر المقالة بوجود نهضة وطنية عقب الاحتلال يناقضه القول بعد ذلك بأنه كان في مصر منذ عشر سنين كتاب وخطباء ينبهون الهمم ويحيون العواطف؛ لأن هذه الجملة تدل على وجود سبات في الهمم وموت في العواطف منذ عشر سنين، وهي تنافي القول الأول بوجود النهضة الوطنية عقب الاحتلال؛ أي منذ عشرين سنة كما لا يخفى»؛ لأن هذه الأقوال المتضاربة والاستنتاجات المتعاكسة لا يمكن أن يفهمها إلا إنسان يسبح في الجو بين الأفلاك لينجم هنالك على مقصود الكاتب، ويعود إلينا فيخبرنا بما أراد، إلا أن ذلك لا يمنعنا من أن نقول إنه لا يوجد تناقض في مقالنا؛ لأن النهضة التي بدأت منذ عشرين سنة لبثت حتى عشر سنوات خلت ثم كثر الدخلاء والمنافقون وقوي نفوذ الإنكليز وسلطانهم في أرض النيل، فخمدت جذوة الحمية التي كانت مشتعلة في النفوس والتفت بعض العقلاء إلى إنشاء المدارس على اختلاف درجاتها، وزعم حضرة الزميل أن وجود كتاب وشعراء وخطباء ينبهون الهمم ويحيون العواطف منذ عشر سنين، ينافي وجود نهضة قبل ذلك بعشر سنوات، هو من الغرابة بمكان؛ لأن النهضة كانت من أول الأمر وبقيت مستمرة إلى عشر سنوات خلت، والخطباء كانوا من الأول إلى عشر سنوات مضت، فوجود النهضة والكتاب والشعراء والخطباء في آن واحد أمر لا تناقض فيه، ولكن التناقض حدث في أفكار حضرة المحامي الفاضل، فجرى به قلمه مشتطا.
أما النهضة التي يذكرها حضرة الزميل في مقاله فهي لا تكفي إلا إذا كانت مستكملة كما أسلفنا، وإلا أعقبها التراخي والفتور خصوصا والمصريون مشهورون بعدم الثبات في شيء، فإذا ما قام فينا عدة من الخطباء وإلى جانبهم فريق من الشعراء، أولئك يبعثون حماسهم كلما أخذ في الخمود، وهؤلاء يستجرونهم بسحر قريضهم إلى الغرض المقصود، لبثت الحمية مشتعلة في أنفس المصريين، وزاد نشاطهم وقيامهم بالأعمال الجليلة.
ولقد أضحكنا تسرع الزميل في قوله «إن الخطيب الذي يخطب في السنة مرة أو مرتين، لا يبح صوته ولا يجف ريقه حتى ولو كان يخطب في كل أسبوع مرة أو مرتين»، ولم ندر ماذا نقول له في هذا الصدد سوى أنه لم يحسن فهم العبارة؛ إذ المقصود من ذلك أن الخطيب كرر الخطابة مرارا عديدة دون أن يقوم بجانبه خطيب آخر يشد أزره ويعضده في قوله، وفي ظننا أن حضرته نسي المجازات والاستعارات والكنايات، فنحن نلتمس له العذر.
وأما عن الخطابة في أوروبا فمرادنا أن ينبري فريق من النبغاء للخطابة في إنكلترا نفسها وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا، مبينين حقيقة المسألة المصرية، وإخلاف الإنكليز مواعيدهم وغدرهم بالمصريين، وعملهم على امتلاك بلادهم، وتفهيم تلك الدول أن المصريين قوم متمدنون يعرفون الواجب عليهم، فيقومون به، وأنهم لا يكرهون الأوروبويين ولا ينفرون منهم ما دام اتصالهم بهم سليم العواقب؛ أي للمعاملة التجارية لا للاستعمار والاستعباد، وفي أثناء ذلك يكون سراة المصريين مهتمين بإنشاء المدارس العديدة على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وساعين في إيجاد المعامل والمصانع الكبرى التي تقوم بحاجات البلاد، فتكون مصر ناهضة بالقول والفعل، ويكون لها شأن مذكور بين الدول العظمى حتى إذا ما حان الوقت المناسب لتحرير البلاد كان الأمر سهلا قريبا. فهل في مثل هذا القول ما يعاب أو ينتقد عليه؟!
أما أنه لا يقال بوجودنا ووجود أمثالنا من المقتدرين على الخطابة بفقدانها من مصر، فالجواب عنه أننا نكتب هذا ونحن نرى أنه يجب علينا وعلى أمثالنا أن نكون في مقدمة الذين يخدمون مصر بخطبهم، ولسنا فيما كتبنا عن مصطفى كامل باشا إلا مؤيدين إنسانا قام بأمر خطير، وكذلك نفعل مع كل مصري يخدم وطنه بنصح وإخلاص، والله يهدينا جميعا إلى سواء السبيل.
3
অজানা পৃষ্ঠা