وإنا لنرى الاعتقاد بالقضاء والقدر في مذاهب الغربيين أشد ظهورا في كتابهم منه في الإسلام، وآيات القدر في الكتاب المقدس تربو على ما ورد في القرآن الكريم من نوعها، وما نجح أهل النصرانية والإسلام في الحقيقة إلا يوم اعتدلوا في اعتقاد ما اعتقدوه، وأخذوا مختارين بالأسباب والمسببات. ومن الإنصاف أن لا نحكم على الغربيين بما نشاهد من سخافات عامتهم، وما انغمسوا فيه من اعتقاد الخرافات، ومقاومة البديهة في كل ما يرده العقل السليم، ومن حسن الذوق أن لا يحمل الغربيون علينا بعمل العوام منا، وما كان العامة يوما المعيار الذي يحكم به على أمة، ذلك أن الخاصة كانوا في كل عصر لا إلى إفراط ولا تفريط في هذه المسائل؛ لأنهم حكموا العقل وأولوا النصوص، وساروا في مسائل الدين والدنيا بروح عصورهم، ولم يخرجوا عن حدود المعقول في المنقول، وأنت ترى أن هذه العقيدة التي كانت من محسنات الإسلام، أصبحت للجهل الطارئ من مضعفاته؛ ذلك لأن أهل المجتمع الإسلامي لم يعملوا بهذه العقيدة قلبا وقالبا كما كان أجدادهم في الدهر الخالي، ولا نبذوها من أصلها فاتكلوا على عملهم فقط، والضعف يعرض لأرقى المجتمعات فيفسد الصالح، والعوارض تهجم على الأمم، ولا تزال تتوالى عليهم ما توالى الليل والنهار.
هذا، ومن تدبر الآيات الكثيرة الواردة في الكتاب العزيز في الحث على العمل، ومن ألم إلمامة خفيفة بسيرة الرسول والصحابة، يعرف أن عقيدة القضاء والقدر ما منعت المسلم يوما من تعاطي الأسباب، فقد قال تعالى:
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ،
وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم ،
وسيرى الله عملكم ،
ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ،
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ،
والله معكم ولن يتركم أعمالكم ،
25
وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ،
অজানা পৃষ্ঠা