ومشروعات لتأمين الدعوة وهي الجهاد، ومشروعات لتكوين البيوت والأسرة، وهي ما يتعلق بالزواج والطلاق والأنساب والمواريث، ومشروعات لطريق المعاملة بين الناس، ومشروعات لبيان العقوبات على الجرائم وهي القصاص والحدود. هذا هو الكتاب الذي أخرج للناس فيه هدى لهم وتطهير لنفوسهم، وقواعد لقيام مجتمعهم، وتذكير لهم أبدا بالمعاد، وليس القرآن كتابا علميا يبحث في الكيمياء والفلك والطبيعيات وتقويم البلدان وتاريخ الإنسان، وإذا جاء فيه عرضا بعض إلماع إلى ذلك فلا يصح دليلا على أنه حوى كل علم على ما زعم بعضهم، وما القرآن إلا القانون الذي يحضر الناس للحضارة، ويذكرهم بحياة ثانية إذا حسن التصرف في الأولى، تم ما وعد به المسلمون من الخير في الآخرة.
قال جان جاك روسو في القرن الثامن عشر: «من الناس من يتعلم قليلا من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه، ولو أنه سمع محمدا يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة، وذاك الصوت المقنع المطرب المؤثر في شغاف القلوب، ورآه يؤيد أحكامه بقوة البيان، لخر ساجدا على الأرض وناداه أيها النبي رسول الله خذ بأيدينا إلى مواقف الشرف والفخار، أو مواقع التهلكة والأخطار، فنحن من أجلك نود الموت أو الانتصار.»
وقال كارلايل في القرن التاسع عشر: «إن فرط إعجاب المسلمين بالقرآن وقولهم بإعجازه أكبر دليل على تباين الأذواق في الأمم المختلفة، والترجمة تذهب بأكثر جمال الصنعة وحسن الصياغة.» وجاهر كلود فارير في القرن العشرين بأن «آيات القرآن جميلة وتحسن تلاوتها، فيها نفحة طاهرة عجيبة؛ لأنها تأمر بالشجاعة والصدق والأمانة، وتدعو إلى حماية الضعيف وإلى عبادة إله واحد.»
نقتصر على رأي هؤلاء الثلاثة الحكماء في القرآن، وهناك كثيرون ذهبوا مذهبهم وقالوا بقولهم، وجاهروا غير مدلسين ولا موالسين، ويكفينا في بيان فضل الإسلام أن نعمد أيضا إلى نقل كلام بعض علماء الإفرنج فيه، فقد قال ولز المؤرخ الإنكليزي: «كان الإسلام في أول أمره خاليا من التعقيدات اللاهوتية التي طالما ارتبكت بها النصرانية، وأحدثت شقاقا قضى على الروح النصراني، وليس للإسلام كهنة بل له علماء ومعلمون ووعاظ، وهو حافل بروح الرأفة والسخاء والإخاء، كما أنه ينطوي على عاطفة النجدة التي تنبت في الصحراء؛ ولهذا جاز إلى قلوب عامة الناس دون أن يجد ما يصده في غرائزهم.» وقال مونتيه
13
السويسري: «لما كان الإسلام دينا من الأديان أصبح قوة أدبية عظيمة جدا جديرة بالاحترام من وراء الغاية، ولذا تقضي الحال بأن تقوم الصلات مع أهله على أساس الإخاء والحب، وأهم الشروط في هذه الروابط الحسنة احترام الإسلام احتراما مطلقا، وإن هذا الدين بفضل ما نشره بعض الباحثين من العلماء المجردين عن الأغراض، وما وقف عليه بعض أرباب الرحلات قد أصبح معروفا في أوروبا معرفة تامة، وغدا يقدر قدره أكثر من قبل.» ا.ه.
ورأينا عظماء من الغربيين لا يذكرون الإسلام إلا بالتعظيم، وعهدنا ببعض كبار رجال العقول من مؤلفيهم الذين اشتهروا بين العامة والخاصة كأناتول فرانس، أنهم لم يذكروا الإسلام بأقل تعريض في كتبهم الكثيرة، واستعملوا حريتهم في الكلام على دينهم الخاص؛ وهذا لأن العقل لا يجوز أن يخوض المرء عباب مسألة عظيمة، إن لم يكن استعد الاستعداد الكافي للنظر فيها بالدرس والتمحيص، ومن أعظم ما يعاب به العالم أن يقول جزافا، ويتكلم بلا وزن وروية، والعاقل من يحرص على أن لا تبدو مقاتله، ولا يستحي إن لم يكن عارفا من قول «لا أدري»، وقد قالوا: إن لا أدري نصف العلم.
وقال آرثر جلين ليونارد:
14 «يجب أن تكون حالة أوروبا مع الإسلام بعيدة من كل هذه الاعتبارات الثقيلة، وأن تكون حالة شكر أبدي بدلا من نكران الجميل الممقوت والازدراء المهين، فإن أوروبا لم تعترف إلى يومنا هذا بإخلاص طوية وقلب سليم بالدين العظيم، المدينة به للتربية الإسلامية والمدنية العربية، فقد اعترفت به بفتور وعدم اكتراث عندما كان أهلها غارقين في بحار الهمجية والجهل في العصور المظلمة فقط، ولقد وصلت المدنية الإسلامية عند العرب إلى أعلى مستوى من عظمة العمران والعلم، فأحيت جذوة المجتمع الأوربي وحفظته من الانحطاط، ولم نعترف، ونحن نرى أنفسنا في أعلى قمة من التهذيب والمدنية، بأنه لولا التهذيب الإسلامي، ومدنية العرب وعلمهم وعظمتهم في مسائل العمران، وحسن نظام مدارسهم، لكانت أوروبا إلى اليوم غارقة في ظلمات الجهل.»
قال: «هل نسينا أن التسامح الإسلامي كان يختلف اختلافا شديدا عن الحالة التي كانت عليها أوروبا إذ ذاك، هل نسينا أن الخلافة نشطت في أعظم أيام الانحطاط الروماني والفارسي، وأن السواد الأعظم من أوروبا كان في غشاوات الوحشية السوداء القاتمة، أتهمل أوروبا، حقدا منها وإنكارا للجميل، تلك الأعمال التي قام بها العرب وتركوها وراءهم في كتبهم، ألم نك ممن فقد نشاط العالم الإسلامي في عصره الذهبي العجيب، وذلك في عصوره الأولى ولا سيما في زمن العباسيين، وكيف ننسى الخسارة الفادحة التي جنيناها على آداب العرب، بل الجناية التي جنيناها على العالم أجمع، بتدميرنا عن جهل وغرور ألوفا من كتبهم ساقنا إلى إبادتها التعصب النصراني، ألا يقال: إن أوروبا النصرانية بذلت كل ما في وسعها منذ قرون لتخفي يد العرب فيها، وسوف لا يطول الأمر حتى يعترف بهذه الصنيعة، دع أوروبا بل القارة النصرانية تعترف بخطئها، دعها تعلن للعالم أجمع غباوتها الغزيرة؛ لقلة إسداء الشكر الواجب عليها، إنها ستضطر بعد إلى الاعتراف بالدين الأبدي المدينة به للإسلام.» وقال إدموند يورك: «القانون المحمدي قانون ضابط للجميع، من الملك إلى أقل رعاياه، وهو قانون نسج بأحكم نظام حقوقي، وأعظم قضاء علمي، وأعظم تشريع منور، لم يسبق قط للعالم إيجاد مثله.»
অজানা পৃষ্ঠা