5
لفرنسا أن تصبغ التونسيين لتعيدهم سيرتهم الأولى قبل حكم العرب؛ لأن هؤلاء أتوهم بقانون سنه رعاة لرعيان، فصعب تطبيق هذه الشريعة على مجتمعات ممدنة كالمجتمع القرطاجني، قال: وإن بقايا التنظيم الذي بقيت آثاره إلى اليوم في تونس من مثل البلديات والصناعات والبناء والهندسة ليست من اختراع العرب كما يقال، بل هي بقايا من المدنية القديمة السابقة للإسلام فسدت على عهد الفاتحين وأعمالهم العقيمة، ا.ه، ومثل هذه السخافات من السخفاء كثيرة لا نطيل بها ولا نتكلف الرد على قائليها، وقد قال كلود فارير
6
من مؤرخي فرنسا وأدبائها: «إن هزيمة العرب في بواتيه قد أخرت المدنية الغربية ثمانية قرون إلى الوراء، فلو ظفرت العرب يوم بواتيه لحملوا مدنيتهم إلى الغرب، ولما طالت أيامه في الجهل المطبق.» وقال سمنوف:
7 «كان من الميسور تجنب الحروب الصليبية، ولكن الجهل والأوهام الدينية والسياسية ومصلحة الباباوية قد ساعدت على ظهورها.» وإذا قال «لافيس»: ليس من المحقق أن سعادتنا كانت في تغلب قيصر على «فرسنجتوريس»القائد الغالي، ألا نقدر أن نقول: كم من الأحزان والآلام والجنايات الجديدة كان يمكن إنقاذ الإنسانية منها، لو لم يوقف «شارل مارتل» العرب عن السير في فتوحهم سنة 110ه، فإن الثقافة العالية التي امتاز بها من كان يدعوهم الصليبيون في حالة الغضب بالحشاشين والكفار والوثنيين احتقارا لهم، كانت أثرت قبل الوقت في أوروبا الغربية، وفي المدنية الفرنجية والرومانية، ا.ه.
وقال لويجي رينالدي من علماء إيطاليا،
8
بعد أن أفاض في عمل المسلمين في إيطاليا وإسبانيا: «فأمة هذه مدنيتها، وتلك آثارها ومفاخرها، جدير بنا بل واجب علينا أن نحفظ لها تلك اليد التي قدمتها إلينا وأسلفتها لنا، ولست أدري لماذا لا نسمع كلمة إعجاب بالشعب العربي العظيم الذي ترك في طريق المدنية آثارا عديدة؟ والذي حمل معه أعظم المعاونات وأجل الخدم للنوع الإنساني ولا يبخل على العرب بإعطائهم المقام اللائق بهم، وبإنزالهم المنزلة التي استحقوها بجدارة إلا كل جاهل التاريخ، وقد خطت أيديهم صحائف بيضاء فاخرة يجب على كل إنسان أن يعجب بهم من أجلها، ويحزنني لعمر الحق كما يحزن غيري ممن ينصفون، أن يكون بيننا نحن الأوروبيين نفر يقودهم سوء الظن والجهل إلى احتقار العرب، وحسبانهم من أمة أدنى من أمتهم، وأن نرى كلمة عربي عندنا تدل على معنى غير معنى المتمدن، وهذا بلا شك افتراء ونكران للجميل ، فإن هذا الشعب وإن سقط من شاهق مجده، ونزل عن المنزلة العظيمة التي كان فيها، لا يزال يحفظ صفاته العجيبة وذكاءه النادر، مما يتحلى به كل متعلم راق، وإنا لا نزال نذكر للعرب حسن فراستهم، وقوة ملاحظتهم للطبيعة، وسرعة خاطرهم، وها نحن أولاء لم نصل إلى ما وصلنا إليه من المعرفة إلا بفضلهم؛ فلذلك نشعر بعطف عظيم على أبناء الصحراء، ولا نزال نذكر لهم بالشكر والامتنان أياديهم البيضاء علينا في الماضي، ولا يسعنا في الحاضر إلا أن نمد إليهم أيدينا كي ينهضوا ويتبوءوا المكان اللائق بهم تحت الشمس، حتى يشتركوا معنا في استثمار تلك المدنية التي كانوا لها يوما موجدين، وعلى إعلاء شأنها عاملين.» ثم نقل عن بريس دافن في كتابه الفن العربي قوله: «إنه بعد سقوط الدولة الرومانية لم يكن هناك شعب يستحق أن يعرف غير الشعب العربي، وذلك أولا: لكثرة فحول الرجال الذين أخرجهم هذا الشعب العظيم، وثانيا: لما أحدثته فنونه وعلومه من التقدم العجيب في العالم مدة قرون عديدة.» ا.ه.
كلام في المدنيات العربية
وكثيرا ما يكتب الكاتبون في الإسلام والعرب عبارات قد لا يفهم منها في الظاهر ما يمس الكرامة ويعبث بالحقيقة، مثل قول من قال من أدعياء التاريخ من الأميركان: «إن المتطرفين في الديار الإسلامية يميلون إلى حسبان كل ما سبق بعثة محمد كأنه مختص بعالم آخر غير عالمنا الحاضر لا يستحق أن يؤبه له كثيرا.» وهذا في الحقيقة رأي أناس تشبعوا بتاريخ العرب لثبوت قضاياه من طرق مختلفة لا نزاع فيها، وهم ممن أيقنوا أن الآثار لم تكشف تاريخ الأمم القديمة كلها على ما يجب حتى الآن، ولا يزال البحث اليوم يوصل إلى أشياء لم تعرف بالأمس، وإذا أولع العرب بتاريخهم فليس معنى ذلك أنهم يدعون أنهم كانوا أول من ورخ لهم من الأمم، أو أنهم كانوا البادئين بأسس المدنية، وما ادعى المسلمون قط أنهم نزلوا بحضارتهم من السماء، بل ادعوا وأثبتوا دعواهم أنهم أخذوا حضارات الأمم القديمة وزادوا عليها ما وسعتهم الزيادة ، فأوصلوها بأمانة إلى أهل المدنيات الحديثة.
অজানা পৃষ্ঠা