اليسوعيون والدعوة إلى تآلف الإسلام والنصرانية
وبعد، فإن من أعظم العابثين بتاريخ المسلمين، المنكرين أثر العرب في الحضارة، جماعة يدعون إلى النصرانية، وقد جعلوا همهم الأكبر في دعوتهم تشويه بعض الحقائق الثابتة، فنازعونا حتى في البديهيات، وأملوا ولا يزالون يملون علينا ضروبا من إفكهم، تفننوا في تنويع أساليب دعوتهم، وأصحاب هذه المفاخر من أهل البلاد، قلما حدثتهم أنفسهم في كف عاديتهم، نسي دعاة التفريق أنهم دخلاء في بلاد لم يبرح سلطان الإسلام فيها متفوقا، وجهلوا أنها أحسنت وفادتهم، أو لم تضق بهم ذرعا كما ضاقت بهم مواطنهم الأصلية، فطردوا منها مرات، فكان جزاؤها منهم أن قابلوها بمصادرة عواطفها، وأغلظوا القول في دينها ونبيها ومدنيتها، على حين تجهم لهم حتى أبناء نحلتهم، وكانوا أحق من غيرهم بالتسامح معهم، ومنهم، بل من المقدمين فيهم، مؤلف اسمه لامنس، عاهد تاريخ الإسلام على مناقضته، وتمحض للحط من قدر العرب منذ عرفوا بين الأمم، وإليكم أمثلة مما يجنيه على الحقائق، تعرفون منها افتئاته على العلم، بحيث تخجل من عبثه حتى أرباب الوجوه الصفيقة.
30
من الكتب المهمة التي تنشر تباعا في مدينة ليدن الهولاندية بلغات العلم الثلاث: الفرنسية والألمانية والإنجليزية، كتاب «معلمة الإسلام
Encyclopédie de l’Islam »، وتعد هذه المعلمة، بما ضمنت لها من مؤازرة أعاظم الباحثين من علماء المشرقيات، من أجمع ما كتب على الإسلام وأصول أهله وبلدانه وتقويمها، عمل جليل، لم يخل، ويا للأسف، وجهه الجميل من تشويه قليل أتاه ذاك الذي ينظر إلى الإسلام أبدا بعيون البغيض، وأعني به لامنس، فأساء إلى الحقيقة في مقالاته، ظانا أن هذه المعلمة أيضا بوق دعاية مذهبية، وأن على الداعية أن يحتال لبث دعوته، ولو خان الواجب عليه في عمل آخر وسد إليه.
ولقد نسي لامنس هذا وبعض جماعته أمورا، كان من الحري بكل من يشتغل بالعلم أن يجعلها قيد نظره؛ نسوا أو تناسوا المتحتم عليهم من أمانة العلم، فأخذوا منذ ألقوا رحالهم في الشرق، يحرفون آيات القرآن، ويحذفون من كتب المسلمين ما لا يروقهم، يخلطون
31
الآيات بأبيات من الشعر، ويجعلون الأحاديث النبوية من كلام بعضهم، حتى إنهم لا يذكرون الرسول عليه السلام بما ينوه من شأنه بزعمهم، وما تحرجوا قط من اقتطاع جملة واحدة من نص طويل، ليبنوا عليها ما يتخيلونه نافعا لغرضهم، يوردون الخرافات المنقولة بصيغ التضعيف، حتى في كتب الوضاعين والقصاصين، ويدعون مع هذا أنها منقولة من كتب الثقات الأثبات، وقد انتبه بعض النابهين من علماء المشرقيات، وأشاروا على أولئك الناشرين أن لا يحرفوا نصوص المؤلفين من العرب؛ لرغبة الناس في أن يقفوا على ما قاله المؤلف بنصه في الدهر الغابر، لا أن يقرءوا مختصرات وافقت رأي ناشر كتابه، فجاء بها مهزعة منقوصة في العهد الحاضر.
ألف لامنس
32
অজানা পৃষ্ঠা