في النصف الأول من المائة الخامسة، فإنها كما قال ابن حيان: لم ير في زمانها أخف منها روحا، ولا أسرع حركة، ولا ألين أعطافا، ولا أطيب صوتا، ولا أحسن غناء، ولا أجود كتابة، ولا أجود خطا، ولا أبدع أدبا، ولا أحضر شاهدا، مع السلامة من اللحن في كتبها وغنائها، لمعرفتها بالنحو واللغة والعروض ، إلى المعرفة بالطب وعلم الطبائع ومعرفة التشريح، وغير ذلك مما يقصر عنه علماء الزمان، وكانت محسنة في صناعة الثقاف والمجاولة بالتراس، واللعب بالرماح والسيوف والخناجر المرهفة، لم يسمع لها في ذلك بنظير ولا مثيل ولا عديل، ثم إن الأمير هذيلا اشترى كثيرا من الجواري الحسنات المشهورات بالتجريد، طلبهن في كل جهة، فكانت ستارته أحسن ستائر
11
ملوك الأندلس، واشترى تلك الجارية البديعة بثلاثة آلاف دينار. وروي أن بعض خلفاء العباسيين ابتاعوا بعض الجواري من هذا الطراز البديع بمائة ألف دينار.
وكان في مدينة آبدة في الأندلس من أصناف الملاهي والرواقص المشهورات بحسن الانطباع والصنعة ما تظنهن فيه أحذق خلق الله تعالى باللعب بالسيوف والدكر وإخراج القزى والمرابط والفتوخة، ولأهل الأندلس كما لأهل الشرق آلات من الطرب وألوان من الملاهي كادوا يتفردون بها، فمنها خيال الظل أو الخيال الراقص والكرج والعود والروطة والرباب والقانون والمؤنس والكثيرة والقيثار والزلامي والشقرة والنورة والبوق،
12
ودام الغناء واللهو والأوتار والرقص في الأندلس إلى عهد خروج العرب منها، على حصة موفورة، فكان من الطبيعي أن يأخذ الإفرنج عنهم ولا يزال إلى اليوم غناء الإسبانيين يشبه غناء العرب وموسيقاهم كأنها موسيقاهم، وكذلك رقصهم وكثير من أدوات لهوهم.
هكذا الحال في إسبانيا والبرتقال اليوم، بل في جمهوريات أميركا الجنوبية، ولا سيما أهل الأرجنتين
13
والبرازيل، وما زالت موسيقاهم وأنواع رقصهم عربية إلى اليوم أو تشبه العربية كثيرا؛ ذلك لأنها منذ كان العرب سادة إسبانيا كانت موسيقاهم قائمة على علم مقرر محرر بفضل زرياب الذي رحل من الشرق، فأدخل الموسيقى في المغرب، وعنه أخذ الأندلسيون وجيرانهم، وما فتئت الموسيقى كالرقص إلى يومنا هذا في إسبانيا أو في البلاد التي تغلبت عليها إسبانيا في سالف الدهر عربية لم يدخلها غير تعديل طفيف بحكم الزمن وطول العهد.
مدنية العرب في الأندلس
অজানা পৃষ্ঠা