وهناك عقدة مدنية وعقدة دينية، إذا سهل الخطب في الأولى عسر في الثانية؛ لأنها صعبة المراس، متعذرة على الانتزاع، مهما جهدت بكل جهدك، وجمعت كل عقلك، وحكم الغرب على العرب منبعث في الأصل من تباين في المعتقدات، والمعتقدات وليدة التسليم والاستهواء والعادات، ومن الصعب استئصال ما تأصل في النفوس بمرور الأيام؛ لأن العناد في الاعتقاد، فطرة لا تبغي عنها النفوس البشرية حولا، والعاقل من أنصف غيره من نفسه.
وأهم أسباب الجفاء بين الغربيين والشرقيين في القرون الأولى من الهجرة؛ كون الإسلام جاء لهداية البشر كافة، فأتى على الوثنية في البلاد التي انتشر سلطانه فيها، ودخل فيه من الصابئة واليعاقبة والنساطرة والمجوس واليهود وغيرهم جمهور كبير، وخافت أوروبا النصرانية من تسربه إلى ربوعها، فاتفقت كلمة الملوك ورجال الدين على حربه، حتى وقفت دعوته عند جزيرتي الأندلس وصقلية وما إليهما من أرض الفرنجة، ثم نشأت الحروب الصليبية ودامت قرنين كاملين، يجيش فيهما الغرب على الشام ومصر، حتى كتبت الغلبة الأخيرة للإسلام في أرض الشام.
وبديهي بعد هذه الطوائل والأحقاد التي طالت لياليها السود - خصوصا بعد أن هزت الدولة العثمانية في العصور الأخيرة أعصاب أوروبا زمنا، حتى دب الهرم فيها - أن يقول الخصم في خصمه ما قد يحط من قدره، ويصغر من أمره، ولا يفوتنا النظر أن الجهل كان فاشيا في الغرب، وأن الدين كان آخذا بمخنق
2
كل عالم وباحث، وأن آراء المؤرخين حتى في العهد الحديث تختلف في الجوهر والعرض أحيانا في الحادثة الواحدة؛ لأن من مظاهر هذا العصر اشتداد سلطان التحزب القومي، إلى ما لم يصل إليه في عصر من عصور التاريخ.
ولما انبلج فجر الأدوار الأخيرة من القرون الوسطى، وجاء دور النهضة والانتباه في الغرب، أنشأ المشتغلون بتلمس الحقائق يخففون من شرتهم على العرب، ويقللون من النيل من دينهم ومدنيتهم، وزادت معرفة الغرب للإسلام، يوم أنشأت بعض جامعات الغرب دروسا لتعليم اللغات الإسلامية، وفي مقدمتها اللغة العربية، وذلك للدعوة إلى النصرانية في الشرق، ثم انقلب الغرض إلى درس الحضارة العربية والإسلام، من طريق العقل والنظر، وكان من مجموع هذه الأبحاث بأخرة،
3
استبطان أحوال الإسلام ودياره، لغرض الفتح والتجارة.
يقول قاسم أمين:
4
অজানা পৃষ্ঠা