ইসলাম শরিকান
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
জনগুলি
يبدأ الباحث تحليله للرواية بهذه العبارات: «إن نجيب محفوظ يقدم في الحقيقة عملا غير عادي. فهذه الرواية (...) تتناول موضوعا جبارا، وهو تاريخ البشرية من حيث هو تاريخ النجاة والخلاص الإلهي، بدءا بخلق العالم وطرد آدم وحواء من الجنة، ومرورا بظهور الأنبياء، وانتهاء إلى مشكلات العصر الحاضر. وهي في تناولها هذا تنقل تاريخ النجاة إلى نطاق حي من أحياء القاهرة القديمة ، وبهذا تخلصه من البعد الأسطوري لتقربه قربا مباشرا من جمهور القراء ...»
ويقدم البحث وصفا مفصلا للحارة التي تقع فيها الأحداث، والشخصيات المحركة لها، بدءا ب «الجبلاوي» في البيت الكبير وأبنائه من بعده: إدريس = إبليس، وأدهم = آدم، وولدي آدم همام = هابيل الذي يقتله شقيقه قدري = قابيل، إلى الفتوات الذين يعيثون في أرجاء الحارة ظلما وفسادا، والرجال الذين ينهضون من حين إلى حين لرفع البؤس عن الناس وقهر الظلم: جبل = موسى، ورفاعة = يسوع، وقاسم = محمد الذي ينجح في تحطيم نفوذ الفتوات بالقوة، ويأمر لأول مرة بتوزيع ريع الوقف - الذي وقفه الجبلاوي على أبنائه وذريتهم - على جميع سكان الحارة دون تفرقة بينهم في العشيرة أو الجنس. ولكن الذي يحدث بعد موته، مثلما حدث بعد موت سلفيه، هو عودة ناظر الوقف والفتوات إلى سلطتهما القديمة، ورجوع الظلم والبؤس سيرتهما الأولى؛ لأن البشر سرعان ما ينسون تعاليم روادهم الكبار ...
ويستطرد الكاتب محللا بعض صور الرواية، ثم يتوقف عند الجزء الذي يعقب عصر الأنبياء لكي يصل إلى مرامي مؤلفها وأهدافه، ويسلط الضوء على شخصية الساحر عرفة الذي يرمز للعلم الحديث الذي لا ينتسب لدين أو وطن. ويستأنف عرفة الصراع الذي بدأه جبل ورفاعة وقاسم مع الفتوات لكي يوفر لأولاد الحارة حياة لائقة بالبشر. إنه يريد أن يحقق الشروط العشرة التي نصت عليها وصية الجبلاوي (الوصايا العشر) وإن لم يكن في الواقع من رجال الجبلاوي. وعندما ييأس من بلوغ هدفه، يتسلل إلى بيت الجبلاوي الكبير لكي يكتشف سر وصية الوقف، ويتورط عن غير قصد في قتل الخادم العجوز الذي يحرس الوصية ويلوذ بالفرار مذعورا.
ويتبين بعد ذلك أن الواقف المسن كان لا يزال على قيد الحياة، ولكنه مات متأثرا بالصدمة. ويطارد الفتوات عرفة فيتمكن من إنقاذ نفسه بإلقاء الزجاجة السحرية التي اخترعها على مطارديه، وهي سلاح متفجر يفوق كل ما عداه من أسلحة. غير أن الناظر - رمز الطاغية الشرقي - يسخره لخدمته، ويتخلص الناظر من الفتوات بفضل الزجاجة السحرية، ولكنه يفعل هذا لمصلحته، لا لمصلحة الحارة. بهذا يصبح عرفة فتوته الجديد، وفي النهاية يتمكن عرفة من الهرب، ولكن أتباع الناظر يلقون القبض عليه ويقتلونه قتلة فظيعة. ويتجه أولاد الحارة في البداية إلى إدانة عرفة فيتهمونه بقتل الجبلاوي وبأن سلاحه العجيب هو الذي جعل من الناظر طاغية لا يقهر. لكن بعد موت عرفة يشيع الأمل في الصدور، فقد تمكن مساعده «حنش» من النجاة بنفسه، ولعله قد تمكن أيضا من إنقاذ كراسة عرفة السحرية. وكلما اشتدت حملة الناظر على عرفة وقوي اتهامه بقتل الجبلاوي مضى الناس يقولون: لا شأن لنا بالماضي، ولا أمل لنا إلا في سحر عرفة، ولو خيرنا بين الجبلاوي والسحر لاخترنا السحر. وهكذا أخذ بعض شبان الحارة يختفون تباعا لكي يتعلموا السحر على يد حنش استعدادا ليوم الخلاص الموعود ...
لم يترتب على اقتحام عرفة (العلم) لبيت الجبلاوي (العالم في الدين والميتافيزيقا) إلا أسوأ النتائج: مقتل الخادم العجوز، وموت الجبلاوي، وتسخير عرفة في خدمة الناظر، وانتصار هذا الناظر انتصارا مطلقا في القهر والجبروت. هنا تطل هذه الأسئلة الملحة برءوسها: هل فشل عرفة لأنه لم يتحرر بعد من إيمانه بالجبلاوي؟ أم يرجع فشله إلى محاولته النفاذ في عالم الميتافيزيقا الذي ليس للعلماء (الطبيعيين) أن يبحثوا فيه عن شيء؟ أم يرجع في النهاية إلى تجرئه على المساس بأقدس المقدسات؟
وعندما يصل عرفة في خدمته للناظر إلى الدرك الأسفل، تظهر امرأة تحمل إليه الرسالة الوحيدة التي وجهها الجبلاوي إليه: «اذهبي إلى عرفة الساحر وأبلغيه عني أن جده مات وهو راض عنه.» وتبقى حقيقة هذه الرسالة غامضة، ولا نستطيع أن نقطع بأنها لم تكن إلا حلما من أحلام عرفة، ولكنها هي التي تشجعه على اتخاذ قراره بالهرب من خدمة الناظر، كما تمهد للتحول النهائي الذي تسوده روح التفاؤل. لقد وثق من رضاء جده عنه، واطمأن إلى أنه لم يغضب لاقتحامه بيته وقتل خادمه. ولكنه يفهم منها كذلك أن رضاه ينطوي على سخطه على عمله في خدمة الناظر. وربما كان التفسير القريب لهذا أن عالم الدين والميتافيزيقا قد انتهى، ولكن العالم (بكسر اللام ) - وهو صاحب الحق في المستقبل - يعترف بالقيم الروحية والمعايير الأخلاقية التي أخذها عنه. (23) لا شك في أن الإشكالية التي أثارت النقد، بل الاحتجاج والثورة على الرواية، تكمن في نقل التاريخ المقدس - أي تاريخ النجاة والخلاص والهدي على أيدي الرسل والأنبياء عليهم السلام - إلى مستوى الحارة التي تزدحم بالفتوات، ويرزح أهلها تحت أثقال الفقر والقهر والجهل والمرض والقذارة، ومن ثم «علمنته» أو إضفاء النزعة الدنيوية عليه وتصغير مقاييسه، وإطفاء هالات الجلال والقداسة التي تحيط به، وعرضه على جمهور القراء عرضا يقرب إليهم أحداثه، وإن كان في الوقت نفسه يؤثر فيهم تأثير الصدمة.
ومع أن الرموز الحية في هذه الرواية واضحة أكثر مما ينبغي للرموز الفنية (لأن الرمز يتسم بالضرورة بقدر من الغموض ويشع دلالات ومعاني متعددة، بينما هو هنا أحادي البعد صريح الدلالة) فإن الكاتب يتعمق تحليل هذه الرموز التاريخية والمتعالية في الوقت نفسه على التاريخ (مثل جبل ورفاعة وقاسم وعرفة الساحر أو العالم) ويناقش أفكار نجيب محفوظ الأساسية ومواقفه من الدين والميتافيزيقا والعلم والعقلانية، وشوقه إلى المجتمع العادل السعيد الذي يقهر الموت أو على الأقل ينسي الناس مأساة العدم الزاحف عليهم لا محالة: «إذا حسنت أحوال الناس قل شره - أي الموت - فازدادت الحياة قيمة وشعر كل سعيد بضرورة مكافحته حرصا على الحياة السعيدة المتاحة ... سيجمع الناس السحرة ليتوفروا لمقاومة الموت، بل سيعمل بالسحر كل قادر، هنالك يهدد الموت الموت.» (ص354 من الطبعة البيروتية). ويعلق المستعرب الكبير على العبارات السابقة قائلا: إن الثورة على الموت ليس لها طابع ميتافيزيقي فحسب، وإنما هي كذلك رمز متطرف على الكفاح العقلاني والواقعي من أجل حياة أفضل، وهو كفاح يعنيه نجيب محفوظ بكل ما في هذه الكلمة من قوة. وليس «أولاد حارتنا» هم أبطال روايته، وإنما هم المقصودون بخطابها وحديثها إليهم، فلا بد لهم أن يعرفوا أن الجهد المبذول لتأمين السلامة والعدالة تمهيدا لخلق الحياة الجديدة جهد يسعى إلى نجاتهم وخلاصهم، وأن نضال الموت نفسه - الذي يتحتم على كل إنسان أن يعانيه بمفرده - له من ناحية أخرى معنى اجتماعي. ففي مقدور الفرد أن يستمد الشجاعة في مناضلته (أي الموت) وقهر أشكاله وصوره المختلفة - من فقر وجوع ومرض وجهل وتخلف ... إلخ، من خلال تضامنه مع الآخرين.
بهذا تنتهي الرواية نهاية واعدة تفيض بالأمل في المستقبل - هذا إذا أمكن كسب الأغلبية لمتابعة الطريق الذي بين لهم عرفة معالمه ...
ويختم الأستاذ بحثه بقوله إنه لا يعرف في الأدب العربي الحديث عملا تناول مثل هذه المشكلات المهمة على هذا النحو المثير الذي تناولتها به «أولاد حارتنا» (ويقصد بذلك مشكلات تأثير الدين والعلم في الحياة، وإيجاد مجتمع عقلاني تختفي منه مآسي الفقر والذل والبطش ... إلخ، فتهون على الإنسان مأساة وجوده وعدم وجوده ... إلى غير ذلك من المشكلات المهمة التي عالجها نجيب محفوظ بصور متعددة المعاني والإيحاءات، وبصدق وعمق وموضوعية تميز كل أعماله. ولذلك يتمنى «شتيبات» في السطرين الأخيرين من بحثه - كما سبق القول - أن تترجم الرواية إلى اللغات الأوروبية وتضاف إلى ذخيرة البشرية من الأدب العالمي. ولقد ترجمت مع غيرها من أعمال الأديب الكبير إلى ما يقرب من أربعين لغة حية، وحصل - كما نعلم جميعا - على الجائزة المرموقة التي شرفت به، وتحققت نبوءة المستشرق المنصف بعد كتابة بحثه بما يزيد على عشر سنوات (يمكنك إذا شئت أن تطلع على النص الكامل لهذا البحث في كتابي المتواضع «شعر وفكر»، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997م، ص355-372)). (24) وفي النهاية يشرفني أن أضع بين يدي القارئ هذه الدراسات والبحوث العشرة للمستشرق الألماني الكبير عن الإسلام والمسلمين. وإذا كنت لم أتقيد بترجمتها ترجمة حرفية، فقد التزمت غاية الدقة والأمانة في عرضها، ولم أغفل فقرة واحدة ولا حقيقة واحدة وردت فيها. كما عرضت في التمهيد لهذا الكتاب ملخصا وافيا لعشر مقالات أخرى تسجل اهتمام الأستاذ «شتيبات» بنشأة الوعي القومي وبداية النضال من أجل الوحدة العربية، وبحركات الاستقلال والتحرر وبعض النظم الثورية في البلاد العربية وغير ذلك من المشكلات المتصلة بالتعليم ونكبة فلسطين، بالإضافة إلى تقديم عملين روائيين من الأدب العربي الحديث يعبران عن مدى انشغال العقل والوجدان العربي في النصف الثاني من القرن العشرين بالتقدم والاستنارة والتجديد والتغيير نحو الأفضل والأعدل. وقد حرصت في هذا التمهيد على أن أبدأ بعرض أقدم هذه المقالات والبحوث - من حيث زمن كتابتها - وأنتهي بأحدثها، وذلك على العكس مما فعلت مع المقالات والبحوث عن الإسلام والمسلمين.
ولا شك عندي في أن القارئ سيتعرف من خلال هذه البحوث والمقالات على موضوعية المنهج التاريخي وأمانته، وسيشهد بنفسه على الإنصاف والتعاطف العقلي والوجداني للمستشرق الكبير مع قضايا العرب والمسلمين، كما سيشعر بأن سطوره تنبض في مواضع عديدة بالتفهم والمشاركة، وتشف عن أمل كاتبها في أن ينجح العرب في تحقيق مشروعاتهم في التنمية والتقدم، وحلمهم بالوحدة التي هي طوق النجاة الوحيد في خضم أعاصير التحديات التي تهب عليهم من كل اتجاه ...
অজানা পৃষ্ঠা